للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

"مه، مه" كلمة زجر، مكررة، بمعنى: اكفف، أصلها: ما هذا، ثم حذفت تخفيفًا [انظر: تاج العروس (٣٦/ ٥٠٥)، مشارق الأنوار (١/ ٣٨٩)، تهذيب اللغة (٥/ ٢٥٠)].

"فشنه" يروي بالشين المعجمة، وبالسين المهملة، ومعناه: صبه، وفرق بعض العلماء بينهما، فقال: هو بالمهملة: الصب في سهولة، وبالمعجمة: التفريق في صبه [البدر المنير (١/ ٥٣٠)، مشارق الأنوار (٢/ ٢٢٤ و ٢٥٤)، لسان العرب (١٣/ ٢٤٢)، النهاية (٢/ ٤١٣ و ٥٥٧)].

• وأما فقه حديث بول الأعرابي: ففيه جمل من فوائد العلم، منها غير ما تقدم ذكره في هذا البحث:

١ - أن من أدب الدعاء: استيعاب الحاضرين إذا دعا بمجلس جماعة، فلا يخص نفسه بالدعاء دونهم، ولا يخص نفسه وبعضهم دون جميعهم.

٢ - المبادرة إلى إنكار المنكر، وتعليم الجاهل.

٣ - أن الجاهل بحكم التحريم إذا خفي عليه ذلك لكونه قريب العهد بالإسلام، أو نشأ في بادية بعيدة عن العلماء، لا يعزر على ذلك المحرم، ولا يقام عليه الحد إن كان المعصية فيها حد وهي حق لله تعالى؛ لأن هذا الأعرابي نشأ بالبادية، فلم يكن يعلم أن المساجد لا يجوز البول فيها، فلم يعاقبه النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يؤنبه، ثم علمه الحكم، ونهاهم عن الوقوع به، وعن الصياح عليه.

٤ - الرفق في إنكار المنكر وتعليم الجاهل، مع استعمال الحلم والصبر معه؛ إذا لم يكن معاندًا أو مستخفًا، والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يغضب إذا انتهكت حرمات الله، فلم يغضب في هذا الموقف، بل هدأ أصحابه وأرشدهم بقوله: "إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين"، وما ذلك إلا لجهل الأعرابي وحاجته إلى الرفق في التعليم.

٥ - فيه احتمال أخف المفسدتين منعًا للوقوع في أشدهما، ودفع أعظم الضررين باحتمال أخفهما، وذلك بقوله: "دعوه، لا تزرموه" ففيه الأمر بتركه يتم بوله، وعدم قطع بوله عليه، فهما مصلحتان:

الأولى: أنه لو قُطع عليه بوله تضرر، وأصل التنجيس قد حصل، فكان احتمال زيادةٍ أولى من إيقاع ضرر به.

الثانية: أن التنجيس قد حصل في جزء يسير من المسجد، فلو أقاموه في أثناء بوله لتنجست ثيابه وبدنه ومواضع كثيرة من المسجد بانتشار بوله وتفرقه فيها.

٦ - فيه نجاسة بول الآدمي، وهو إجماع.

٧ - في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر" دليل على وجوب تنزيه المساجد عن البول، وسائر النجاسات، وفيه دليل على تنظيف المساجد، والاعتناء بها، وأنها إنما بنيت للعبادة: من صلاة، وذكر، وقراءة قرآن، ولم تبن لمزاولة أعمال الدنيا من بيع، وشراء، ونشد ضالة، ونحو ذلك، وأما الوضوء في المسجد:

<<  <  ج: ص:  >  >>