واختلفت أقوالهم في أحاديث الباب؛ بما يطول بذكره المقام في تفصيل القول في هذه المسألة أخذًا وردًّا.
لكن نوجز القول فيها، مع ذكر مختارات من كلام الأئمة:
فالصحيح: أن التغليس بصلاة الفجر في أول وقتها أفضل، وهو قول الجمهور.
وأجابوا عن حديث رافع في الأمر بالإسفار بأجوبة نذكر خلاصتها:
منها: تضعيفه، وهو مردود، فقد ثبت صحة هذا الحديث، وقد تقدم ذكر من صحَّحه، ومن ضعفه.
ومنها: تأويله على وجوه:
منها: أن المراد بالإسفار: أن يتبين الفجر، ويتضح، فيكون نهيًا عن الصَّلاة قبل الوقت، وقبل تيقن دخول الوقت، وبه قال الشَّافعي، وأحمد، وإسحاق.
قال التِّرمذيُّ في الجامع (١٥٤): "وقال الشَّافعي وأحمد وإسحاق: معنى الإسفار أن يَضِحَ الفجر فلا يُشكُّ فيه، ولم يروا أن معنى الإسفار تأخير الصَّلاة".
قال الشَّافعي في اختلاف الحديث (١٠/ ١٦٥ - أم) في الجمع بين أحاديث التغليس وحديث رافع في الإسفار: "وقد يحتمل أن لا يخالفه؛ بأن يكون الله أمرنا بالمحافظة على الصَّلاة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن ذلك أفضل الأعمال، وإنه رضوان الله، فلعل من النَّاس من سمعه فقدم الصَّلاة قبل أن يتبين الفجر، فأمرهم أن يسفروا حتَّى يتبين الفجر الآخر، فلا يكون معنى حديث رافع ما أردت من الإسفار، ولا يكون حديثه مخالفًا حديثنا".
وقال نحوه في الرسالة (١/ ١٣٠ - أم).
وقال أبو داود في مسائله لأحمد (١٧٩) و (١٨٠): "سمعت أحمد بن حنبل سئل عن صلاة الصبح؟ قال: يعجبني أن يغلس بها.
فقيل لأحمد وأنا أسمع: حديث رافع: "أصبحوا بالصبح"؟ قال هذا مثل حديث عائشة: "ينصرفن النساء متلفعات"، إذا أسفر الفجر فقد أصبحوا"، وانظر أيضًا (١٨١ و ١٨٢).
وقال أحمد في مسائل ابنه صالح (١٠٤٠): "إسفار الفجر عندي: طلوعه"، وانظر (٣٤ و ١٠٣٩).
وقال أبو بكر الأثرم: "قلت لأحمد بن حنبل: ما معنى قوله: "أسفروا بالفجر"؟ فقال: إذا بان الفجر فقد أسفر. قلت: كان أبو نعيم يقول في حديث رافع بن خديج: "أسفروا بالفجر، فكلما أسفرتم بها فهو أعظم للأجر"؛ فقال: نعم كله سواء، إنَّما هو إذا تبيّن الفجر فقد أسفر" [التمهيد (٢/ ٣٠٦) و (٩/ ١٢١) ط. إحياء التراث].
وقال إسحاق بن منصور الكوسج: "قلت: ما الإسفار بالفجر؟.
قال: الإسفار بالفجر: أن يَضِحَ الفجر فلا يُشك أنَّه قد طلع الفجر.
قال إسحاق: كما قال" [مسائل الكوسج (١٢٤)].