• وقال آخرون في تأويل حديث رافع في الإسفار: بل الإسفار يكون باستدامته الصَّلاة، لا بالدخول فيها، فيدخل فيها بغلس، ويطيلها حتَّى يخرج منها وقد أسفر الوقت.
وروي هذا المعنى عن عطاء، وقاله أبو حفص البرمكي، والقاضي أبو يعلى في خلافه الكبير، ورجحه الطحاوي.
ورده بعضهم بأن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يدخل فيها بغلس، ويخرج منها بغلس، كما دل على ذلك حديث عائشة وأبي برزة.
• ومن الأجوبة على حديث رافع أيضًا:
القول بأنه منسوخ؛ بما رواه أسامة بن زيد الليثي من حديث أبي مسعود الأنصاري في المواقيت، وقد سبقت الإشارة إليه قريبًا وقلنا بأنه حديث شاذ لا يصلح للاحتجاج به في مثل هذا.
• ومنها: حمل بعضهم أحاديث الأمر بالإسفار على حالة تأخير المأمومين.
واحتج في ذلك بما رواه أحمد في مسنده (٢/ ١٣٥)، قال: حدّثنا أبو أحمد الزبيري محمَّد بن عبد الله: حدّثنا أبو شعبة الطحان جار الأعمش، عن أبي الرَّبيع، قال: كنت مع ابن عمر في جنازة ... فذكر قصَّة في النياحة، ثم قال: فقلت له: إنِّي أصلي معك الصبح ثم ألتفت فلا أرى وجه جليسي، ثم أحيانًا تسفر؟ قال: كذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلِّي، وأحببت أن أصليها كما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصليها.
قال ابن رجب في الفتح (٣/ ٢٣٦): "وهذا إسناد ضعيف؛ نقل البرقاني عن الدارقطني قال: أبو شعبة: متروك، وأبو الرَّبيع: مجهول" [انظر: سؤالات البرقاني (٦٠١ و ٦٠٦ و ٦١٨)، الميزان (٤/ ٥٢٣ و ٥٣٦)، اللسان (٩/ ٦٨ و ٩٣)، إكمال الحسيني (٥٢١)، التعجيل (٤٩٣)].
وبما رواه ابن عساكر في تاريخه (١٩/ ٤٥٤)، من طريق أبي خالد الواسطيِّ، عن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلِّي الفجر فيغلس ويسفر، ويقول: "ما بين هذين وقت، لكيلا يختلف المؤمنون" ... وذكر حديثًا طويلًا.
وإسناده واهٍ، سأل ابن أبي حاتم أباه عن هذا الحديث، فقال: "أبو خالد عمرو بن خالد الواسطيِّ: هو ضعيف الحديث جدًّا" [العلل (١/ ١٥١/ ٤٢١)].
• ومن الأجوبة على حديث رافع أيضًا:
أن أحاديث التغليس أكثر وأقوى من حديث رافع في الإسفار، وهي أشبه بظاهر القرآن.
قال الشَّافعي في الرسالة (١/ ١٢٧ - الأم): "فحديث عائشة أشبه بكتاب الله تبارك وتعالى، لأنَّ الله -عَزَّ وَجَلَّ- يقول {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: ٢٣٨] فإذا دخل الوقت فأولى المصلين بالمحافظة: المقدم للصلاة.