للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال الطّبرانيّ: "لم يرو هذين الحديثين عن محمَّد إلَّا عيسى، تفرد بهما: عبد الله".

قلت: هو حديث باطل، عيسى بن واقد: لم أجد من ترجم له؛ سوى أن قال ابن عدي في الكامل (٢/ ٣٢٨) في ضمن ترجمة الحسن بن عمرو العبدي: "شيخ بصري"، ونسبه الخطيب في غنية الملتمس (١٨) بصريًا أيضًا؛ إلَّا أني وجدته بعد ذلك منسوبًا إسكندرانيًا في إسنادٍ عند ابن الجوزي في العلل المتناهية (٢/ ٧٧٩)، وهو أشبه؛ لكون راوي هذا الحديث عنه: إسكندرانيًا، وأيًّا كان فإنَّه من المجاهيل الغرباء [قال الهيثمي في المجمع (١/ ١٧٢ و ٢٩٣): "ولم أجد من ذكره"]، فكيف لمثله أن يتفرد بحديث من أهل المدينة؟! ثم إن الراوي عنه: عبد الله بن أبي رومان المعافري الإسكندراني: ضعيف الحديث، روى مناكير وبواطيل [اللسان (٤/ ٤٧٩ و ٥٢١)]، وهذا منها، وشيخ الطّبرانيّ: علي بن سعيد بن بشير الرَّازي: حافظ، رحال، جوال؛ إلَّا أنهم تكلموا في حفظه، وتفرد بأشياء لم يتابع عليها [اللسان (٥/ ٥٤٢)].

• وأخيرًا؛ فإنَّه لا يصح في هذا الباب غير حديث عبادة بن الصَّامت؛ فهو حسن بمجموع طرقه، أدخله مالك في موطئه، واحتج به النَّسائيّ، وصححه ابن حبان، وابن عبد البر، وابن الملقن في البدر المنير (٥/ ٣٨٩).

• ويحسن في ختام الكلام عن هذا الحديث، أن نذكر مسألة واحدة من مسائله:

وهي: حكم تارك الصَّلاة؛ تهاونًا وكسلًا، مع الإقرار بوجوبها، فالصحيح الذي دلت عليه الأدلة الصحيحة الصريحة: أنَّه كافر؛ لظاهر الأحاديث الصحيحة في ذلك، مثل حديث جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصَّلاة" [أخرجه مسلم (٨٢)]، ويتحقق قيام الكفر به؛ إذا استتيب فلم يتب ولم يصل حتَّى يقتل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "فإن كان مقرًا بالصلاة في الباطن، معتقدًا لوجوبها؛ يمتنع أن يصر على تركها حتَّى يقتل وهو لا يصلِّي، هذا لا يعرف من بني آدم وعادتهم، ولهذا لم يقع هذا قط في الإسلام، ولا يعرف أن أحدًا يعتقد وجوبها، ويقال له: إن لم تصل وإلا قتلناك، وهو يصر على تركها، مع إقراره بالوجوب، فهذا لم يقع قط في الإسلام.

ومتى امتنع الرجل من الصَّلاة حتَّى يقتل، لم يكن في الباطن مقرًا بوجوبها، ولا ملتزمًا بفعلها، وهذا كافر باتفاق المسلمين، كما استفاضت الآثار عن الصّحابة بكفر هذا، ودلت عليه النصوص الصحيحة، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس بين العبد وببن الكفر إلَّا ترك الصَّلاة"، رواه مسلم. وقوله: "العهد الذي بيننا وبينهم الصَّلاة فمن تركها فقد كفر". وقول عبد الله بن شقيق: "كان أصحاب محمَّد لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر إلَّا الصَّلاة"، فمن كان مصرًا على تركها حتَّى يموت لا يسجد لله سجدة قط، فهذا لا يكون قط مسلمًا مقرًا بوجوبها، فإن اعتقاد الوجوب، واعتقاد أن تاركها يستحق القتل، هذا داع تام إلى فعلها، والداعي مع القدرة يوجب وجود المقدور، فإذا كان قادرًا ولم يفعل قط، علم أن الداعي

<<  <  ج: ص:  >  >>