للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

في حقه لم يوجد. والاعتقاد التَّام لعقاب التارك باعث على الفعل، لكن هذا قد يعارضه أحيانًا أمور توجب تأخيرها وترك بعض واجباتها وتفويتها أحيانًا.

فأمَّا من كان مصرًا على تركها، لا يصلى قط، ويموت على هذا الإصرار والترك، فهذا لا يكون مسلمًا، لكن أكثر الناس يصلون تارة، ويتركونها تارة، فهؤلاء ليسوا يحافظون عليها، وهؤلاء تحت الوعيد، وهم الذين جاء فيهم الحديث الذي في السنن: حديث عبادة عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "خمس صلوات كتبهن الله على العباد في اليوم والليلة، من حافظ عليهن كان له عهد عند الله أن يدخله الجنَّة، ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له عهد عند الله، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له"، فالمحافظ عليها الذي يصليها في مواقيتها كما أمر الله تعالى، والذي ليس يؤخرها أحيانًا عن وقتها، أو يترك واجباتها، فهذا تحت مشيئة الله تعالى، وقد يكون لهذا نوافل يكمل بها فرائضه، كما جاء في الحديث" انتهى كلامه رحمه الله تعالى، نقلًا من مجموع الفتاوى (٢٢/ ٤٨ - ٤٩).

وسبب إيرادي لهذه المسألة هنا، هو أن حديث عبادة هذا هو أجود ما اعتمدوا عليه في عدم تكفير تارك الصَّلاة، واحتجوا في ذلك برواية محمَّد بن مطرف من حديث الصنابحي عن عبادة، والشاهد منه: "ومن لم يفعل؛ فليس له على الله عهد، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه" وهي رواية شاذة، كما تقدم تقريره، وبرواية المخدجي عن عبادة، والشاهد منها: "ومن لم يأت بهن، فليس له عند الله عهد. . ." فاحتجوا بهذا اللفظ وغيره على أن من تركها بالكلية لا يكفر؛ إذ لو كفر لم يدخل تحت المشيئة.

وعلى فرض أن هذا اللفظ وحده هو الثابت؛ لكان محتملًا للتأويل، قال الإمام محمَّد بن نصر المروزي في كتابه القيِّم تعظيم قدر الصَّلاة ص (٦٣٩): "وأمَّا احتجاجهم بحديث عبادة - رضي الله عنه - عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "خمس صلوات افترضهن الله على عباده، من أتى بهن لم يضيع من حقهن شيئًا، كان له عند الله عهد، ومن لم يأت بهن جاء وليس عنده عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنَّة". قالوا: فقد أطمعه في دخول الجنَّة إذا هو لم يأت بهن، ولو كان كافرًا لم يطمعه في دخول الجنَّة، فإن قوله: "لم يأت بهن" إنَّما يقع معناه على أنَّه لم يأت بهن على الكمال، إنما أتى بهن ناقصات من حقوقهن نقصانًا لا يبطلهن".

فإن قيل: لم يقل النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك، والأصل أن يتوجه النفي إلى الوجود، فإن تعذر فإلى الصحة، فإن تعذر فإلى الكمال، والظاهر هنا من نفي الإتيان بها هو تركها بالكلية.

فيقال: أولًا: طريق الصنابحي شاذة، لا تصح. ثانيًا: طريق المخدجي بلفظ: "ومن لم يأت بهن" جاء ما يفسرها من الرّواية المحفوظة بلفظ: "ومن جاء بهن وقد انتقص منهن شيئًا استخفافًا بحقهن"، فوجب الأخذ بها. ثالثًا: قلنا بأن رواية المخدجي تعتضد برواية الوليد بن عبادة، ولفظ الشاهد منها: "ومن انتقص من حقهن شيئًا استخفافًا به". وبرواية المطلب بن عبد الله، ولفظ الشاهد منها: "ومن أتى بهن وقد أضاع شيئًا من حقهن

<<  <  ج: ص:  >  >>