للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

استخفافًا بهن" مما يدل على ثبوت هذا اللفظ في حديث عبادة، وهو نص في نقض هذا الإعتراض، قال شيخ الإسلام: "وبهذا يظهر أن الاحتجاج بذلك على أن تارك الصَّلاة لا يكفر: حجة ضعيفة، لكنَّه يدل على أن تارك المحافظة لا يكفر، فإذا صلاها بعد الوقت لم يكفر" [مجموع الفتاوى (٧/ ٥٧٩)].

وقال ابن نصر المروزي (٦٤١): "ومن حقوق الصَّلاة: الطهارة من الأحداث، وطهارة الثياب التي تصلى فيها، وطهارة البقاع التي تصلى عليها، والمحافظة على مواقيتها التي كان يحافظ عليها النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم -، والخشوع فيها من ترك الالتفات، والعبث، وحديث النَّفس، وترك الفكرة فيما ليس من أمر الصَّلاة، وإحضار القلب، واشتغاله بما يقرأ ويقول بلسانه، وإتمام الركوع والسجود، فمن أتى بذلك كله كاملًا، على ما أمر به، فهو الذي له العهد عند الله تعالى بأن يدخله الجنَّة، ومن أتى بهن، لم يتركهن، وقد انتقص من حقوقهن شيئًا، فهو الذي لا عهد له عند الله تعالى، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له، فهذا بعيد الشبه من الذي يتركها أصلًا لا يصليها". وقال شيخ الإسلام: "فالنبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أدخل تحت المشيئة من لم يحافظ عليها، لا من ترك، ونفس المحافظة يقتضي أنهم صلوا ولم يحافظوا عليها، ولا يتناول من لم يحافظ، فإنَّه لو تناول ذلك قتلوا كفارًا مرتدين بلا ريب، ولا يتصور في العادة أن رجلًا يكون مؤمنًا بقلبه، مقرًّا بأن الله أوجب عليه الصَّلاة، ملتزمًا لشريعة النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وما جاء به، يأمره ولي الأمر بالصلاة، فيمتنع حتَّى يقتل، ويكون مع ذلك مؤمنًا في الباطن فقط؛ بل لا يكون إلَّا كافرًا، ولو قال: أنا مقر بوجوبها، غير أني لا أفعلها، كان هذا القول مع هذه الحال كذبًا منه، كما لو أخذ يلقي المصحف في الحش، ويقول: أشهد أن ما فيه كلام الله، أو جعل يقتل نبيًّا من الأنبياء، ويقول: أشهد أنَّه رسول الله، ونحو ذلك من الأفعال التى تنافى إيمان القلب، فإذا قال: أنا مؤمن بقلبي، مع هذه الحال كان كاذبًا فيما أظهره من القول.

فهذا الموضع ينبغي تدبره فمن عرف ارتباط الظاهر بالباطن، زالت عنه الشبهة في هذا الباب، وعلم أن من قال من الفقهاء أنَّه إذا أقر بالوجوب وامتنع عن الفعل لا يقتل، أو يقتل مع إسلامه، فإنَّه دخلت عليه الشبهة التي دخلت على المرجئة والجهمية، والتي دخلت على من جعل الإرادة الجازمة مع القدرة التَّامة لا يكون بها شيء من الفعل، ولهذا كان الممتنعون من قتل هذا من الفقهاء بنوه على قولهم في مسألة الإيمان، وأن الأعمال ليست من الإيمان، وقد تقدم أن جنس الأعمال من لوازم إيمان القلب، وأن إيمان القلب التَّام، بدون شيء من الأعمال الظاهرة ممتنع، سواء جعل الظاهر من لوازم الإيمان، أو جزءًا من الإيمان كما تقدم بيانه" انتهى كلامه رحمه الله تعالى، نقلًا من مجموع الفتاوى (٧/ ٦١٥).

ومما ينبغي التَّنبيه عليه: أن القول بتكفير تارك الصَّلاة، هو قول جمهور السلف، قال

<<  <  ج: ص:  >  >>