ورواه يَحْيَى بن سعيد القطان [ثقة ثبت متقن]، عن ابن عجلان، عن ابن المنكدر، عن يعلى، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - . . . مثله.
أخرجه البُخاريّ في التَّاريخ (٨/ ٤١٧).
والأشبه بالصواب: رواية الجماعة -اللَّيث ومن معه-، وكذا رواية مالك، وتحمل على أن يَحْيَى بن سعيد كان ينشط أحيانًا فيسنده إلى طلق، وأحيانًا يفتي به، والله أعلم.
ومن العجيب قول ابن عبد البر في التمهيد (٢٤/ ٧٥) بعد قول يَحْيَى بن سعيد هذا: "وهذا موقوف في الموطأ، ويستحيل أن يكون مثله رأيًا [!!!]، فكيف وقد روي مرفوعًا بإسناد ليس بالقوي"، ثم أسنده من طريق يعقوب بن الوليد المدني [وهو كذاب، يضع الحديث]، ثم قال:"وهذا يدل على أن أول الوقت أفضل، وكان مالك -فيما حكى ابن القاسم عنه- لا يعجبه قول يَحْيَى بن سعيد هذا".
قلت: الذي في المدونة (١/ ٥٧): "قال ابن القاسم: ولم أر مالكًا يعجبه هذا الحديث الذي جاء: إن الرجل ليصلي الصَّلاة وما فاتته، ولما فاته من وقتها أعظم -أو أفضل- من أهله وماله"، وهذا وإن كان لفظه هو لفظ قول يَحْيَى بن سعيد، إلَّا أنَّه يحتمل أيضًا أن يكون مراده مرسل طلق بن حبيب، وفي الذخيرة (٢/ ٣١) ما يشير إلى هذا، وقد أجاد ابن عبد البر في توجيه قول مالك هذا، حيث قال في الاستذكار (١/ ٦٨): "وأمَّا الأصول التي ترد هذا الحديث: فمنها: حديث نافع عن ابن عمر عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "من فاتته صلاة العصر؛ فكأنما وتر أهله وماله"، فلم يقع التمثيل والتشبيه ها هنا؛ إلَّا لمن فاته وقت الصَّلاة كله، بدليل قوله "من أدرك ركعة من العصر، وبدليل قوله حين صَلَّى في طرفي الوقت:"ما بين هذين وقت".
وحديث يَحْيَى بن سعيد يدل: أن من فاته بعض وقت الصَّلاة، في حكم من فاته الوقت كله في ذهاب أهله وماله، وقد حكى ابن القاسم عن مالك أنَّه لم يعجبه قول يَحْيَى بن سعيد المذكور، وذلك لما وصفنا، والله أعلم"، وانظر كلامه أيضًا في التمهيد.
• وفي الباب أحاديث أخرى لا يصح منها شيء أيضًا، فمنها حديث: "أول الوقت رضوان الله، وآخر الوقت عفو الله -عَزَّ وَجَلَّ-" وما كان بمعناه، فقد روي من حديث ابن عمر، وجرير بن عبد الله البجلي، وأبي محذورة، وابن عباس، وأنس، وعلي، وأبي هريرة، وطرقها كلها واهية لا تصلح للاعتبار، نترك ذكرها اختصارًا.
وقد ضعفه جماعة من الأئمة الحفاظ منهم:
١ - الإمام أحمد، روى الخلال عن الميموني قال: "سمعت أبا عبد الله -يعني: أحمد بن حنبل- يقول: لا أعرف شيئًا يثبت في أوقات الصَّلاة: أولها كذا، وأوسطها كذا، وآخرها كذا -يعني: مغفرة ورضوانًا-.
وقال له رجل: ما يروى: أول الوقت كذا، وأوسطه كذا، رضوان ومغفرة؟ فقال له