للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ويتأكد التحريم إذا كان البصق في أثناء الصلاة، في القبلة؛ لحديث ابن عمر: "إذا كان أحدكم يصلي، فلا يبصق قِبَل وجهه؛ فإن الله تبارك وتعالى قِبَل وجهه إذا صلَّى"، ولحديث أنس وأبي سعيد وجابر أيضًا.

هذا إذا كانت أرض المسجد من تراب، أو رمل، أو حصباء، فله أن يبصق في المسجد، عن يساره تحت قدمه اليسرى، ويواريه بالدفن، أو الدلك في التراب، وأما إذا كان في المسجد فُرُش، أو رخام، أو بلاط؛ فلا يجوز حينئذٍ البصق عليها، لأنها تتلوث بذلك، وقد تصيب جلدَ المصلي أو ثوبه؛ فيتأذَّى بذلك، ولكن يبصق في طرف ثوبه، ثم يدلك بعضه ببعض.

وأما إذا كان خارج المسجد، فله أن يبصق عن يساره إن كان فارغًا، أو تحت قدمه اليسرى، ولا حاجة حينئذٍ لتلويث ثوبه.

٢ - دلت الأحاديث على طهارة النخامة والنخاعة والبصاق والمخاط، للاكتفاء بحكها من جدار المسجد، أو بدلكها في تراب المسجد حتى تتوارى، أو بدلكها بالثوب، وهو يصلي.

٣ - دلت الأحاديث على وجوب صيانة المسجد منها، ولا بأس عندئذ بدلكها في طرف الثوب، إذا عجلت به بادرة، ولم يتمكن من دفنها، وقد ورد تعليل ذلك في حديث سعد: "إذا تنخم أحدكم في المسجد فليغيب نخامته؛ أن تصيب جلد مؤمن، أو ثوبه؛ فتؤذيه"، وعليه فإن المسجد ينزه عما لا ينزه عنه الثوب.

٤ - استحباب تطييب المسجد، لفعله - صلى الله عليه وسلم -، كما في حديث جابر.

٥ - في الأحاديث دليل على تكريم جهة اليمين، واحترامها في الجملة، ففي حديث أنس: "فإن عن يمينه ملكًا"، فإن قيل: عن يساره أيضًا ملك؟ قيل: ملك اليمين أعلى وأفضل، إذ هو كاتب الحسنات.

٦ - وفيها أن النفخ والتنحنح في الصلاة جائزان للحاجة؛ لأن النخامة لا بد أن يقع معها شيء من نفخ أو تنحنح.

٧ - قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أنس: "إن أحدكم إذا قام يصلي فإنما يناجي ربه -أو: إن ربه بينه وبين القبلة-"، وفي حديث ابن عمر: "إن الله عز وجل قِبَلَ وجه أحدكم إذا صلى"، ونحوه في حديث جابر، وفي حديث أبي سعيد: "إن أحدكم إذا استقبل القبلة فإنما يستقبلُ ربَّه عز وجل"، ينبغي فهمه على ضوء ما جاء في معناه من نصوص الكتاب والسنة، من قرب الله سبحانه وتعالى من عابديه قربًا خاصًّا، مثل ما أخبر الله سبحانه وتعالى بقربه ممن دعاه، فقال سبحانه وتعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: ١٨٦]، ومثل ما ثبت في حديث أبي موسى لما رفع الصحابة أصواتهم بالتكبير، فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا أيها الناس! ارْبَعُوا على أنفسكم؛ فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا، إنكم تدعون سميعًا قريبًا، وهو معكم"، وفي رواية: "والذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلة أحدكم"

<<  <  ج: ص:  >  >>