عبد الله: فكبر أربعًا، وتشهد مرتين، ولم يُرجِّع، قال أبو عبد الله: والإقامة: الله أكبر مرتين، وسائرها مرة مرة، إلا قوله: قد قامت الصلاة، فإنها مرتين، قال: وسمعت أبا عبد الله يقول: من أقام مثنى مثنى لم أعنفه وليس به بأس، قيل لأبي عبد الله: حديث أبي محذورة صحيح؟ قال: أما أنا فلا أدفعه، فيل له: أفليس حديث أبي محذورة بعد حديث عبد الله بن زيد؛ لأن حديث أبي محذورة بعد فتح مكة؟ فقال: أليس قد رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة فأقر بلالًا على أذان عبد الله بن زيد". ونقل أبي بكر الأثرم ذكره أيضًا: ابن عبد البر في الاستذكار (١/ ٣٧٠)، وابن المنذر في الأوسط (٣/ ١٦)، وابن قدامة في المغني (١/ ٢٤٤)، وأسنده الحازمي في الاعتبار (١/ ٣٠٣)، وانظر: شرح السنة (٢/ ٥٨)، مسائل ابن هانئ (١/ ٤١)، طبقات الحنابلة (١/ ٦٥) ترجمة أحمد بن محمد بن عبد الله بن صدقة أبي بكر.
وقال عبد الله بن أحمد في مسائله لأبيه (٢٠٢): "سألت أبي عن الإقامة: مثنى مثنى أحب إليك أم واحدة؟ فقال: الإقامة واحدة واحدة؛ إلا قوله: قد قامت الصلاة، يقولها مرتين".
وقال إسحاق بن منصور الكوسج في مسائله لأحمد وابن راهويه (١٦٦): "قلت لأحمد: كيف الأذان؟ قال: الأذان مثنى مثنى، والإقامة فرد، إلا قوله: قد قامت الصلاة، قال: مرتين. قال إسحاق: كما قال"، وقال في موضع ثانٍ (٤٦٢): "قال أحمد: الأذان مثنى مثنى، والإقامة مرة مرة، إلا قوله: قد قامت الصلاة"، وقال في موضع ثالث (٣٤٥٠): "قال إسحاق: وأما الذي نختار من الأذان والإقامة: أن يؤذن مثنى مثنى، ويقيم واحدة، إلا قوله: قد قامت الصلاة مرتين، وكذلك: الله أكبر الله أكبر في أوله وآخره، قال إسحاق: الله أكبر الله أكبر هو مرة".
وقال ابن خزيمة (١/ ١٩٤): "باب الترجيع في الأذان مع تثنية الإقامة، وهذا من جنس الاختلاف المباح، فمباحٌ أن يؤذن المؤذن فيرجِّع في الأذان ويثني الإقامة، ومباحٌ أن يثني الأذان ويفرد الإقامة؛ إذ قد صح كلا الأمرين من النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأما تثنية الأذان والإقامة: فلم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الأمر بهما". وانظر: سنن البيهقي (١/ ٤١٨).
فإن قيل: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أمر أبا محذورة بذكر الشهادتين سرًّا ليحصل له الإخلاص بهما، فإن الإخلاص في الإسرار بهما أبلغ من قولهما إعلانًا للإعلام، وخص أبا محذورة بذلك لأنه لم يكن مقرًا بهما حينئذٍ، فإن في الخبر أنه كان مستهزئًا يحكي أذان مؤذن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - صوته فدعاه فأمره بالأذان، فقال: "ولا شيء عندي أبغض من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا مما يأمرني به"، فقصد النبي - صلى الله عليه وسلم - نطقه بالشهادتين سرًّا ليُسلم بذلك، ولا يوجد هذا في غيره، ودليل هذا: كون النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر به بلالًا ولا غيره ممن كان مسلمًا ثابتَ الإسلام، ويعضده أن خبر أبي محذورة متروك بالإجماع؛ لعدم عمل الشافعي به في الإقامة وأبي حنيفة في الأذان.
فيقال: العبرة بثبوت الرواية، وقد ثبتت، فلا حجة بعد ذلك في النكير على من أخذ