يطلع الفجر"، ثم جاءه من الغد، فقال: "لا تؤذن حتى ترى الفجر هكذا"، وجمع بين يديه، ثم فرق بينهما.
قلت: فضحت رواية أبي نعيم ما كان موهمًا للاتصال:
فقد رواه أبو نعيم الفضل بن دكين في كتاب الصلاة (٢٢٠)، قال: حدثنا جعفر بن برقان، عن شداد - مولى عياض بن عامر -، قال: بلغني أن بلالًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤذنه بصلاة الفجر، فقال: "يا بلال لا تؤذن حتَّى تنظر إلى الفجر هكذا" وقال بيده.
قال أبو بكر: روى وكيع أو غيره، قال: "لا تؤذن بالفجر حتَّى تنظر إلى الفجر هكذا"، كما يشق الخياط الثوب.
• لكن رواه عبد الرزاق في المصنف (١/ ٤٩١/ ١٨٨٧) (١/ ١٥٤ - مخطوط)، عن معمر، عن جعفر بن برقان، عن شداد مولى عباس، عن ثوبان، قال: أذنت مرة، فدخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: قد أذنت يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! قال: "لا تؤذن حتَّى تصبح" ثم جئته أيضًا فقلت قد أذنت فقال "لا تؤذن حتَّى تراه هكذا" وجمع يديه ثم فرقهما.
قلت: الَّذي يظهر لي - والله أعلم - أن هذا تحريف وقع في الإسناد: إما من النساخ، أو من إسحاق الدبري نفسه راوي المصنف عن عبد الرزاق، فقد تُكُلِّم في روايته عنه، كما أنَّه كان يصحف، ويحرف [انظر: اللسان (٢/ ٣٦) وغيره]، ولا أستبعد أن يكون معمرًا، ومِن بَعدِه عبد الرزاق: قد روياه هكذا: عن جعفر بن برقان، عن شداد مولى عياض، عن بلال، قال: أذنت مرة ... الحديث، فحرف من دون عبد الرزاق: "عياض" إلى: "عباس"، و"بلال "إلى: "ثوبان"؛ إذ الحديث لا يعرف عن جعفر بن برقان إلا: عن شداد، عن بلال، والله أعلم.
فإن كان الأمر كذلك، فيكون معمرًا في ذلك متابعًا لوكيع في روايته بالعنعنة.
قال ابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (١٤٤٩): "وسئل يحيى بن معين: عن حديث وكيع، عن جعفر بن برقان، عن شداد مولى عياض بن عامر، عن بلال، أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "لا تؤذن حتَّى يستبين لك الفجر"؟ فكتب يحيى بيده على: شداد، عن بلال: مرسل".
وقال أبو بكر الأثرم: "هو إسناد مجهول منقطع"، قال ابن رجب معلقًا: "يشير إلى جهالة شداد، وأنه لم يلق بلالًا" [الفتح (٣/ ٥١٢)، طرح التثريب (٢/ ١٨٤)].
وقال البيهقي في السنن: "وهذا مرسل؛ قال أبو داود السجستاني: شداد مولى عياض: لم يدرك بلالًا" ثم قال: "وقد روي من أوجه آخر كلها ضعيفة، قد بينا ضعفها في كتاب الخلاف، وإنما يعرف مرسلًا من حديث حميد بن هلال وغيره". ثم رواه فقال: "هكذا رواه جماعة عن حميد بن هلال مرسلًا، والأحاديث الصحاح التي تقدم ذكرها مع فعل أهل الحرمين: أولى بالقبول منه، وبالله التوفيق".
وقال في المعرفة: "وقد روي ذلك من أوجه آخر ضعيفة، وبمثل ذلك لا يترك ما تقدم من الأخبار الصحيحة، مع فعل أهل الحرمين".