الأسود، أو أبي إسحاق، وفيه نظر؛ فقد روينا أن الأذان الأول بالحجاز كان قبل الصبح، وكانت عائشة - رضي الله عنهما - تصلي قبل طلوع الفجر، أو أراد به الأذان الثاني".
قلت: الَّذي يظهر لي - والله أعلم - أن أبا إسحاق السبيعي قد اضطرب في هذا الحديث، ولم يضبطه، فأدرج مرة قول الأسود فجعله من كلام عائشة، ومرة يفصله، وقلب متن الحديث المرفوع، وقد رواه أهل المدينة عن عائشة على الصواب، رواه عبيد الله بن عمر، عن القاسم بن محمد، عن عائشة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "إن بلالًا يؤذن بليل؛ فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم" زاد في رواية: "فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر".
قال ابن القيم في زاد المعاد (١/ ٤٣٩): "ونظير هذا: حديث عائشة: "إن بلالًا يؤذن بليل؛ فكلوا واشربوا حتَّى يؤذن ابن أم مكتوم" وهو في الصحيحين، فانقلب على بعض الرواة، فقال:"ابن أم مكتوم يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتَّى يؤذن بلالًا".
ولأبي إسحاق حديث آخر رواه عن الأسود فوهم فيه عليه، رواه عن الأسود عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينام وهو جنب من غير أن يمس ماءً. وقد خطأه الحفاظ فيه، تقدم معنا برقم (٢٢٨).
[وانظر: الكامل (٤/ ٨٨)، فيمن رواه وهمًا من حديث الشعبي عن الأسود].
• واحتجوا أيضًا بأحاديث آخر أُبهم فيها المؤذن، وهو محمول على أذان ابن أم مكتوم، مثل حديث حفصة إن صح:"وكان لا يؤذن حتَّى يصبح"، قال الأثرم:"وحديث حفصة: رواه الناس عن نافع، فلم يذكروا فيه ما ذكر عبد الكريم" [نصب الراية (١/ ٢٨٤)]، وقال البيهقي في الخلافيات (١/ ٤٧٠ - مختصره): "وهو محمول إن صح على الأذان الثاني، والصحيح: عن نافع بغير هذا اللفظ".
ومثل حديث عائشة: قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سكت المؤذن بالأذان من صلاة الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين. قال الأثرم:"سمعت أحمد بن حنبل يضعف حديث الأوزاعي عن الزهري" [نصب الراية (١/ ٢٨٤)].
قلت: وأصل هذين الحديثين في الصحيح [انظر: صحيح البخاري (٦١٨ و ١١٧٣ و ١١٨١) و (٦٢٦ و ٩٩٤ و ١١٢٣ و ١١٦٠ و ١١٧٠ و ٦٣١٠)، صحيح مسلم (٧٢٣ و ٧٣٦)] والأذان فيهما محمول على الأذان الثاني. وانظر: الحجة لمحمد بن الحسن الشيباني (١/ ٧٥)، شرح المعاني (١/ ١٤٠)، نصب الراية (١/ ٢٨٤)، شرح سنن ابن ماجة لمغلطاي (٤/ ١١٦٢ - ١١٦٦)، وغيرها.
• وحاصل ما تقدم: فإن بلالًا كانت عادته أن يؤذن بليل؛ ليرجعَ القائم، ويوقظَ النائم، وأما ابن أم مكتوم فكان يؤذن حين يطلع الفجر، وكان ضرير البصر، فلم يكن يؤذن حتَّى يقال له: أصبحت، أصبحت. ولا يصح في الباب إلا هذا، وأما الأحاديث الصحيحة التي لم يُذكر فيها إلا أذان واحد حين طلوع الفجر: فمحمولة على أذان ابن أم مكتوم، والله أعلم.