والطبراني في مسند الشاميين (٤/ ١٠٧/ ٢٨٦٥)، وفي الأوسط (١/ ١٢٩/ ٤٠٦)، والبيهقي في السنن (٣/ ١٧١)، وفي الشعب (٣/ ١٠٣/ ٣٠٠٨)، وفي فضائل الأوقات (٢٥٧)، والبغوي في شرح السنة (٤/ ٢١٤ - ٢١٥/ ١٠٥٤)، وقال:"صحيح". وفي التفسير (٤/ ٣٤٢)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (١٥/ ٦٤).
• ومن فقه أحاديث الباب:
قال البيهقي في السنن (٣/ ٥٨): "قال لنا أبو عبد الله: قال أبو بكر بن إسحاق الفقيه: ليس في أمره هذا الأعمى بحضور الجماعة ما يدل أن حضورها فرض؛ لأنه قد رخص لعتبان بن مالك وهو أعمى التخلف عن حضورها، فدل على أن قوله: "لا أجد لك رخصة" أي: لا أجد لك رخصة تلحق فضيلة من حضرها. قال الشيخ والذي يؤكد هذا التأويل: ... ".
ثم احتج لهذا المعنى بما رواه:
العلاء بن المسيب من حديث ابن أم مكتوم المتقدم ذكره، وحديث ابن مسعود المتقدم برقم (٥٥٠)، وحديث وصف المتخلف عن شهود العشاء والفجر بالنفاق [وسيأتي بعد هذا الحديث برقم (٥٥٤)]، مع قول عبد الله بن عمر: كنا إذا فقدنا الإنسان في صلاة العشاء الآخرة والصبح أسأنا به الظن [تقدم ذكره تحت الحديث السابق برقم (٥٥٠)، وهو صحيح عنه].
وهذه حجة مردودة؛ فإن هذه الأحاديث لا تدل على مدعاه:
• فأما حديث عتبان بن مالك [متفق عليه، وتقدم تخريجه في الشواهد]: فقد اعتذر فيه عتبان عن حضور الجماعة وصلاته بقومه -إذ كان إمامهم- بكون الأمطار إذا جاءت سال الوادي الذي بينه وبين المسجد، فتعذر عليه الوصول إليه، وفي رواية مالك:"إنها تكون الظلمة والمطر والسيل، وأنا رجل ضرير البصر"، ومن ذا الذي يقول بوجوب الجماعة عليه والحال هذه، مع تحقق الضرر، وخشية الهلكة، وهذه حالة مؤقتة بمجيء السيل فحسب، وليست على الدوام، فإذا زال العذر المبيح لترك شهود الجماعة في المسجد، رجع الحكم إلى ما كان عليه قبل العذر، وهو وجوب شهود الجماعة في المسجد، بخلاف حديث ابن أم مكتوم [أعني: حديث أبي هريرة الصحيح]، فليس فيه أنه اعتذر بمثل ما اعتذر به عتبان، وأما دعوى أنه - صلى الله عليه وسلم - قد رخص لعتبان في الصلاة في بيته بكل حال، ولم يخصه بحالة وجود السيل، فتحكم ليس عليه دليل صحيح، إذ دعوة عتبان للنبي - صلى الله عليه وسلم - ليصلي له في بيته، كان سببها أنه لا يتمكن من شهود الجماعة في مسجد قومه لأجل السيل، وليس على الدوام، فخرج فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وقوله مبنيًّا على هذا السبب، مما يعني: أنه سيصلي في بيته ما دام السيل يحول بينه وبين المسجد، فإذا خف السيل وأمكنه عبور الوادي شهد الجماعة، والله أعلم.
فإن قيل: قد اعتذر أيضًا بالعمى، فيقال: لم يكن قد ذهب بصره بالكلية، لقوله: