للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

"أنكرت بصري"، فلم يعد صحيح البصر كما كان؛ بحيث تضعف رؤيته جدًّا في الظلام، فإذا اقترن بذلك خشية الضرر الحاصل من السيل، منعه ذلك من حضور الجماعة، وعليه فالسبب الحقيقي الذي أدى إلى عدم شهوده الجماعة هو السيل، وليس إنكاره بصره، والله أعلم [وانظر: الفتح لابن رجب (٢/ ٣٨٢)، الفتح لابن حجر (١/ ٦١٩)].

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد يقال بأن الشارع لم يعتبر هذا الوصف، وألغاه، فأصبح كالصفة الطردية التي لا تأثير لها في الحكم، في هذا الموضع، وعليه فالعمى ليس عذرًا مانعًا من حضور الجماعة في المسجد، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هل تسمع النداء إلى الصلاة؟ "، قال: نعم، قال: "فأجب"، وهذا ظاهر في إلغاء ذلك الوصف وهو العمى بالنسبة لشهود الجماعة، وإن كان نفس هذا الوصف مؤثر معتبر شرعًا في موضع آخر، في إسقاط وجوب الجهاد بالنفس عليه، والله أعلم.

قال ابن رجب في الفتح (٢/ ٣٨٦): "وفي الحديث: دليل على أن المطر والسيول عذر يبيح له التخلف عن الصلاة في المسجد".

• وفي الجمع بين حديث عتبان بن مالك، وحديث ابن أم مكتوم: يقول ابن رجب في الفتح (٢/ ٣٩٠): "وقد أشكل وجه الجمع بين حديث ابن أم مكتوم وحديث عتبان بن مالك، حيث جعل لعتبان رخصة، ولم يجعل لابن أم مكتوم رخصة:

فمن الناس: من جمع بينهما بأن عتبان ذكر أن السيول تحول بينه وبين مسجد قومه، وهذا عذر واضح؛ لأنه يتعذر معه الوصول إلى المسجد، وابن أم مكتوم لم يذكر مثل ذلك، وإنما ذكر مشقة المشي عليه، وفي هذا ضعف؛ فإن السيول لا تدوم، وقد رخص له في الصلاة في بيته بكل حال، ولم يخصه بحالة وجود السيل، وابن أم مكتوم قد ذكر أن المدينة كثيرة الهوام والسباع، وذلك يقوم مقام السيل المخوف.

وقيل: إن ابن أم مكتوم كان قريبًا من المسجد، بخلاف عتبان، ولهذا ورد في بعض طرق حديث ابن أم مكتوم: أنه كان يسمع الإقامة، ولكن في بعض الروايات أنه أخبر أن منزله شاسع كما تقدم.

ومن الناس من أشار إلى نسخ حديث ابن أم مكتوم بحديث عتبان، فإن الأعذار التي ذكرها ابن أم مكتوم يكفي بعضها في سقوط حضور المسجد.

وقد أشار الجوزجاني إلى أن حديث ابن أم مكتوم لم يقل أحد بظاهره، يعني: أن هذا لم يوجب حضور المسجد على من كان حاله كحال ابن أم مكتوم.

وقيل: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أراد أنه لا يجد لابن أم مكتوم رخصة في حصول فضيلة الجماعة مع تخلفه وصلاته في بيته.

واستدل بعض من نصر ذلك -وهو: البيهقي- بما خرجه في سننه من طريق: أبي شهاب الحناط، عن العلاء بن المسيب، عن أبيه، عن ابن أم مكتوم، قال: قلت: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! إن لي قائدًا لا يلائمني في هاتين الصلاتين؟ قال: "أي الصلاتين؟ " قلت:

<<  <  ج: ص:  >  >>