العشاء والصبح، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لو يعلم القاعد عنهما ما فيهما لأتاهما ولو حبوًا".
وحديث ابن أم مكتوم يدل على أن العمى ليس بعذر في ترك الجماعة، إذا كان قادرًا على إتيانها، وهو مذهب أصحابنا.
ولو لم يمكنه المجيء إلا بقائد ووجد قائدًا متبرعًا له، فهل يجب عليه حضور المسجد؟ على وجهين، ذكرهما ابن حامد من أصحابنا.
وهذا بناء على قول أحمد: إن حضور المسجد للجماعة فرض عين.
وسيأتي ذكر ذلك مستوفى في موضعه -إن شاء الله تعالى-.
وقد يستدل بحديث عتبان على أن الجماعة في البيت تكفي من حضور المسجد خصوصًا للأعذار.
ويحتمل أن يكون عتبان جعل موضع صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - من بيته مسجدًا يؤذن فيه، ويقيم، ويصلي بجماعة أهل داره ومن قرب منه، فتكون صلاته حينئذ في مسجد: إما مسجد جماعة، أو مسجد بيت يجمع فيه، وأما ابن أم مكتوم فإنه استأذن في صلاته في بيته منفردًا، فلم يأذن له، وهذا أقرب ما جمع به بين الحديثين، والله أعلم".
قلت: قد سبق بيان الصواب في وجه الجمع بينهما، والله أعلم.
• وأما حديث العلاء بن المسيب، فإنه حديث غريب منقطع، لا تقوم به الحجة.
• وأما حديث وصف المتخلف عن شهود العشاء والفجر بالنفاق، مع قول عبد الله بن عمر: فإنه مبني على أن الصحابة في هذين الوقتين -العشاء والفجر- كانوا فارغين من الأشغال، حاضرين في بيوتهم، ليس عندهم ما يشغلهم من طلب المعاش، أو النظر في حوائج العيال، ونحو ذلك، بخلاف الظهر والعصر والمغرب، ففي الغالب يكون الإنسان خارج بيته، فقد تحضره الصلاة وهو بعيد عن مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيصلي في مساجد الأحياء، فلا يمكنه شهود الصلاة معه - صلى الله عليه وسلم -، واللّه أعلم.
• وأما حديث ابن مسعود، وتسميته لشهود الجماعة بأنها من سنن الهدي، فليس فيه دليل على كونها مندوب إليها فقط، بل في قوله: ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم: أكبر شاهد على وجوبها على الأعيان، لأن تارك النفل والسنة والمندوب في بعض الأحوال ليس ضالًا، والله أعلم.
وهناك قرينة أخرى، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في المجموع (٢٣/ ٢٣٠): "فقد أخبر عبد الله بن مسعود: أنه لم يكن يتخلف عنها إلا منافقٌ معلوم النفاق، وهذا دليل على استقرار وجوبها عند المؤمنين، ولم يعلموا ذلك إلا من جهة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ لو كانت عندهم مستحبة: كقيام الليل، والتطوعات التي مع الفرائض، وصلاة الضحى، ونحو ذلك، كان منهم من يفعلها، ومنهم من لا يفعلها مع إيمانه، كما قال له الأعرابي: والله لا أزيد على ذلك ولا أنقص منه، فقال: "أفلح إن صدق"، ومعلوم أن كل أمر كان لا يتخلف عنه إلا منافقٌ كان واجبًا على الأعيان، ... ".