للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

• وقد ترجم ابن خزيمة لحديث الباب في صحيحه بقوله: "باب أمر العميان بشهود صلاة الجماعة، وإن كانت منازلهم نائية عن المسجد، لا يطاوعهم قائدوهم بإتيانهم إياهم المساجد، والدليل على أن شهود الجماعة فريضة لا فضيلة؛ إذ غير جائز أن يقال: لا رخصة للمرء في ترك الفضيلة".

وترجم له ابن المنذر بقوله: "ذكر إيجاب حضور الجماعة على العميان، وإن بعدت منازلهم عن المسجد، ويدل ذلك على أن شهود الجماعة فرض لا ندب".

وقال أيضًا (٤/ ١٣٤): "فدلت الأخبار التي ذكرناها على وجوب فرض الجماعة على من لا عذر له.

فمما دل عليه: قوله لابن أم مكتوم، وهو ضرير: "لا أجد لك رخصة"، فإذا كان الأعمى كذلك، لا رخصة له، فالبصير أولى بأن لا تكون له رخصة، وفي اهتمامه بأن يحرق على قوم تخلفوا عن الصلاة بيوتهم: أبين البيان على وجوب فرض الجماعة، إذ غير جائز أن يحرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تخلف على ندب، وعما ليس بفرض، ويؤيد ما قلنا حديث أبي هريرة [ثم أسنده]: أما هذا فقد عصى أبا القاسم، ولو كان المرء مخيرًا في ترك الجماعة، أو إتيانها لم يجز أن يقضي من تخلف عما لا يجب عليه أن يحضره، ولما أمر الله بالجماعة في حال الخوف، دل على أن ذلك في حال الأمن أوجب، قال الله جل ذكره: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} الآية، ففي أمر الله بإقامة الجماعة في حال الخوف: دليل بيِّن على أن ذلك في حال الأمن أوجب، والأخبار المذكورة في أبواب الرخصة في التخلف عن الجماعة لأصحاب العذر تدل على فرض الجماعة على من لا عذر له، إذ لو كان حال العذر، وغير حال العذر سواء، لم يكن للترخيص في التخلف عنها في أبواب العذر معنى، ودل على تأكيد أمر الجماعة قوله: من سمع النداء فلم يجبه فلا صلاة له، ... ، وجاءت الأخبار عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعمن بعدهم من التابعين تدل على تأكيد أمر الجماعة، وذم من تخلف عنها، ... [إلى أن قال في آخر كلامه بعد كلام طويل:] ولو كان حضور الجماعات ندبًا ما لحق المتخلف عنها ذم، والله أعلم".

وقال ابن المنذر في الإقناع: "فحضور الجماعات فرض على من لا عذر له".

وقال ابن حبان: "في سؤال ابن أم مكتوم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرخص له في ترك إتيان الجماعات، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ائتها ولو حبوًا": أعظم الدليل على أن هذا أمر حتم لا ندب؛ إذ لو كان إتيان الجماعات على من يسمع النداء لها غير فرض؛ لأخبره - صلى الله عليه وسلم - بالرخصة فيه، لأن هذا جواب خرج على سؤال بعينه، ومحال أن لا يوجد لغير الفريضة رخصة".

وقال الخطابي في المعالم (١/ ١٣٨): "وفي هذا دليل على أن حضور الجماعة واجب، ولو كان ذلك ندبًا لكان أولى من يسعه التخلف عنها أهل الضرر والضعف، ومن كان في مثل حال ابن أم مكتوم".

<<  <  ج: ص:  >  >>