للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

دعوى مجردة، ولا لفظ معنا يدل عليها، وإذا علم ذلك فلا يلزم من انتفاء حكم المنطوق انتفاؤه عن كل فرد فرد من أفراد المسكوت، لجواز أن يكون فيه تفصيل، فينتفي عن بعضها، ويثبت لبعضها، ويجوز أن يكون ثابتًا لجميعها بشرط ليس في المنطوق، فتكون فائدة التخصيص به لدلالته على ثبوت الحكم له مطلقًا، وثبوته للمفهوم بشرط، فيكون المنفي عنه الثبوت المطلق لا مطلق الثبوت، فمن أين جاء العموم للمفهوم، وهو من عوارض الألفاظ؟.

وعلى هذا عامة المفهومات، فقوله تعالى: {فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠]: لا يدل المفهوم على أنه بمجرد نكاحها الزوج الثاني تحل له ... وكذلك إن سلكت طريقة التعليل لم يلزم العموم أيضًا، فإنه يلزم من انتفاء العلة انتفاء معلولها، ولا يلزم انتفاء الحكم مطلقًا، لجواز ثبوته بوصفه آخر، وإذا ثبت هذا فمنطوق حديث القلتين لا ننازعكم فيه، ومفهومه لا عموم له، فبطل الاحتجاج به منطوقًا ومفهومًا".

وقال شيخ الإسلام [مجموع الفتاوى (٣٣/ ١٤)]: "والمفهوم لا عموم له في جانب المسكوت عنه، بل قد يكون فيه تفصيل، كقوله: "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث" أو: "لم ينجسه شيء"، وهو إذا بلغ قلتين فقد يحمل الخبث، وقد لا يحمله".

وقال أيضًا (٢١/ ٧٣): "وقوله: "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث": إنما دل على ما دونهما بالمفهوم، والمفهوم لا عموم له، فلا يدل ذلك على أن ما دون القلتين يحمل الخبث، بل إذا فرق فيه بين دائم وجار، أو إذا كان في بعض الأحيان يحمل الخبث، كان الحديث معمولًا به، فإذا كان طاهرًا بيقين وليس في نجاسته نص ولا قياس وجب البقاء على طهارته مع بقاء صفاته، وإذا كان حوض الحمام الفائض إذا كان قليلًا، ووقع فيه بول أو دم أو عذرة ولم تغيره: لم ينجسه على الصحيح، فكيف بالماء الذي جميعه يجري على أرض الحمام؟ فإنه إذا وقعت فيه نجاسة ولم تغيره لم ينجس"، وانظر أيضًا (٢١/ ٣٢٧).

فالخلاصة: أن مفهوم هذا الحديث دل على أن الماء إذا لم يبلغ قلتين فهو مظنة لحمل الخبث، فقد يحمله وقد لا يحمله، فيحترز منه ويحتاط، ولا نجزم بأنه تنجس بمجرد ملاقاة النجاسة إلا إذا تغير أحد أوصافه الثلاثة.

قال ابن حزم في المحلى (١/ ٢٥٤): "وليس في قوله - صلى الله عليه وسلم - هذا دليل ولا نص على أن ما دون القلتين ينجس ويحمل الخبث أي: يقينًا إلا بالتغير إذ المفهوم لا عموم له.

٢ - وأما حديث أبي هريرة: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا؛ فإنه لا يدري أين باتت يده"، فقد استدلوا به على أن ورود قليل النجاسة على الماء القليل يفسده ويمنع الطهارة به وإن لم يتغير، فعللوا النهي هنا باحتمال النجاسة.

قال ابن عبد البر في التمهيد (١٨/ ٢٣٦): "إنما ذلك ندب وأدب وسُنَّة قائمة لمن

<<  <  ج: ص:  >  >>