للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كانت يده طاهرة وغير طاهرة؛ لأنه لو أراد بذلك النجاسة لأمر بغسل المخرجين أولًا، ولقال: إذا قام أحدكم من نومه فلينظر يده فإن لم يكن فيها نجاسة أدخلها في وَضوئه، وإن كانت في يده نجاسة غسلها قبل أن يدخلها".

وقيل: النهي هنا تعبدي، ويرد هذا القول: أنه معلل في الحديث بقوله: "فإنه لا يدري أين باتت يده".

قال ابن القيم: "وقيل -وهو الصحيح-: إنه معلل بخشية مبيت الشيطان على يده، أو مبيتها عليه، وهذه العلة نظير تعليل صاحب الشرع الاستنشاق بمبيت الشيطان على الخيشوم ... إلى أن قال: والمقصود أنه لا دليل لكم في الحديث بوجه ما"، وقد بيَّن قبلُ أن ليس في الحديث دليل على نجاسة الماء أو فساده، وأن جمهور الأمة على طهارته.

٣ - وأما حديث أبي هريرة: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعًا أولاهن بالتراب": فليس فيه ما يدل على نجاسة الماء بولوغ الكلب فيه، وإنما الأمر فيه بالإراقة وبالغسل سبعًا أولاهن بالتراب: تعبدي، ولو كان لأجل النجاسة لاكتفى فيه بإزالة النجاسة، وقد تزول من غسلة واحدة بالماء، ولا يحتاج فيها إلى التراب، فدل التسبيع في العدد والتتريب والإراقة على أمر تعبدي أظهره الطب الحديث، وهو اشتمال لعاب الكلب على مرض لا يزيله إلا الغسل سبعًا بالماء أولاهن بالتراب.

وانظر: تهذيب السنن لابن القيم. التمهيد (٦/ ٤٧٧ - ط إحياء التراث)، المحلى (١/ ١٥٤).

٤ - وأما حديث أبو هريرة: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه من الجنابة": قال شيخ الإسلام (٢١/ ٣٤) [وانظر أيضًا (٢٠/ ٣٣٨)]: "نهيه عن البول في الماء الدائم لا يدل على أنه ينجس بمجرد البول، إذ ليس في اللفظ ما يدل على ذلك، بل قد يكون نهيه سدًا للذريعة؛ لأن البول ذريعة إلى تنجيسه، فإذا بال هذا ثم بال هذا تغير الماء بالبول، فكان نهيه سدًا للذريعة، أو يقال: إنه مكروه بمجرد الطبع لا لأجل أنه ينجسه، وأيضًا: فيدل نهيه عن البول في الماء الدائم أنه يعم القليل والكثير، فيقال لصاحب القلتين: أتجوِّز بوله فيما فوق القلتين؟ إن جوَّزته فقد خالفت ظاهر النص، وإن حرمته فقد نقضت دليلك ... فلم يجز تعليل النهي بالنجاسة، ولا يجوز أن يقال: إنه - صلى الله عليه وسلم - إنما نهى عن البول فيه لأن البول ينجسه، فإن هذا خلاف النص والإجماع".

وقد أطال ابن القيم في تهذيب السنن في بيان هذا المعنى وخلاصته فيه قوله: "ذكره - صلى الله عليه وسلم - الماء الدائم الذي لا يجري تنبيه على أن حكمة النهي: إنما هي ما يخشى من إفساد مياه الناس عليهم، وأن النهي إنما تعلق بالمياه الدائمة التي من شأنها أن تفسدها الأبوال ... ".

وحاصل ما تقدم أنه لا دليل لهم، ولا حجة لهم فيما استدلوا به على أن ما دون القلتين ينجس بمجرد ملاقاة النجاسة وإن لم يتغير، وإنما مفهوم حديث القلتين: أن ما كان

<<  <  ج: ص:  >  >>