للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

دون القلتين فهو مظنة لحمل الخبث، فقد يحمله وقد لا يحمله، ولا نجزم بنجاسته إلا إذا تغير أحد أوصافه الثلاثة.

قال الشوكاني في الدراري المضية (١٠ - ١٢): "وأما ما كان دون القلتين فهو مظنة لحمل الخبث، وليس فيه أنه يحمل الخبث قطعًا وبتًا، ولا أن ما يحمله من الخبث يخرجه عن الطهورية؛ لأن الخبث المخرج عن الطهورية هو خبث خاص، وهو الموجب لتغيير أحد أوصافه أو كلها، لا الخبث الذي لم يغير، وحاصله: أن ما دل عليه مفهوم حديث القلتين: من أن ما دونهما قد يحمل الخبث؛ لا يستفاد منه إلا أن ذلك المقدار إذا وقعت فيه نجاسة قد يحملها، وأما أنه يصير نجسًا خارجًا عن كونه طاهرًا فليس في هذا المفهوم ما يفيد ذلك، ولا ملازمة بين حمل الخبث، والنجاسة المخرجة عن الطهورية، إلى أن قال: فتقرر بهذا أنه لا منافاة بين مفهوم حديث القلتين، وبين سائر الأحاديث، بل يقال فيها: أن ما دون القلتين إن حمل الخبث حملًا استلزم تغيير ريح الماء أو لونه أو طعمه، فهذا هو الأمر الموجب للنجاسة والخروج عن الطهورية، وإن حمله حملًا لا يغير أحد تلك الأوصاف فليس هذا الحمل مستلزمًا للنجاسة" [انظر: الروضة الندية (١/ ٥٩)، نيل الأوطار (١/ ٣٠)، السيل الجرار (١/ ٥٤ - ٥٦)، وغيرها].

• وأما أدلة الفريق الثاني القائل بأنه لا ينجس كثير الماء ولا قليله إلا بالتغيير، وهو الصواب:

قال العمراني في البيان (١/ ٢٧): "وذهبت طائفة إلى أن الماء لا ينجس إلا بالتغير، سواء كان قليلًا أو كثيرًا. ذهب إليه من الصحابة: ابن عباس، وحذيفة، وأبو هريرة، وبه قال الحسن البصري، وسعيد بن المسيب، وعكرمة، وابن أبي ليلى، وجابر بن زيد، ومالك، والأوزاعي، وداود، والثوري، والنخعي، واختاره ابن المنذر".

١ - قال الله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: ٤٣]: قال ابن المنذر: "فالطهارة على ظاهر كتاب الله بكل ماء إلا ماة منع منه كتاب أو سُنَّة أو إجماع، ظاهر الذي منع الإجماع من الطهارة به: الماء الذي يغلب عليه النجاسة بلون أو طعم أو ريح".

وقال شيخ الإسلام في الماء الذي خالطته نجاسة فلم تغيره: "وأيضًا، فإن هذا باق على أوصاف خلقته، فيدخل في عموم قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [النساء: ٤٣] فإن الكلام إنما هو فيما لم يتغير بالنجاسة لا طعمه ولا لونه ولا ريحه" [المجموع (٢١/ ٣٣)].

٢ - قال ابن عبد البر في التمهيد (١/ ٣٣٠): "لدليل على أن الماء لا يفسد إلا بما ظهر فيه من النجاسة أن الله عز وجل سماه طهورًا فقال: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: ٤٨] وفي طهور معنيان: أحدهما: أن يكون طهورًا بمعنى طاهر ... ، والآخر: أن يكون بمعنى فعول ... ، فيكون فيه معنى التعدي والتكثير، يدل على ذلك قوله عز وجل: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: ١١]، وقد أجمعت الأمة أن الماء مطهر

<<  <  ج: ص:  >  >>