لكن المراد -والله أعلم-: صلاته في سوقه في غير مسجد، فإنه لو صلى في سوقه في مسجد لكان قد حصل له فضل المشي إلى المسجد، وانتظار الصلاة فيه، والجلوس فيه بعد الصلاة أيضًا، وإن كان المسجد الأعظم يمتاز بكثرة الخطا إليه، وبكثرة الجماعة فيه، وذلك يتضاعف به الفضل أيضًا عند جمهور العلماء، خلافًا لمالك".
وقال ابن دقيق العيد في الإحكام (١/ ١٥٩): "أن لقائلٍ أن يقول: هذا الثواب المقدر لا يحصل بمجرد صلاة الجماعة في البيت، وذلك بناءً على ثلاث قواعد:
الأولى: أن اللفظ أعني قوله: "وذلك أنه" يقتضي تعليل الحكم السابق، وهذا ظاهر؛ لأن التقدير: وذلك لأنه، وهو مقتضٍ للتعليل، وسياق هذا اللفظ في نظائر هذا اللفظ يقتضي ذلك.
الثانية: أن محل الحكم لا بد أن تكون علته موجودة فيه، وهذا أيضًا متفق عليه، وهو ظاهر أيضًا؛ لأن العلة لو لم تكن موجودة في محل الحكم كانت أجنبية عنه؛ فلا يحصل التعليل بها.
الثالثة: أن ما رُتِّب على المجموع لم يلزم حصوله في بعض ذلك المجموع؛ إلا إذا دل الدليل على إلغاء بعض ذلك المجموع، وعدم اعتباره، فيكون وجوده كعدمه، ويبقى ما عداه معتبرًا، ولا يلزم أن يترتب الحكم على بعضه.
فإذا تقررت هذه القواعد؛ فاللفظ يقتضي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حكم بمضاعفة صلاة الرجل في الجماعة على صلاته في بيته وسوقه بهذا القدر المعين، وعلل ذلك باجتماع أمور:
منها: الوضوء في البيت، والإحسان فيه.
والمشي إلى الصلاة لرفع الدرجات.
وصلاة الملائكة عليه ما دام في مصلاه.
وإذا علل هذا الحكم باجتماع هذه الأمور؛ فلا بد أن يكون المعتبر من هذه الأمور موجودًا في محل الحكم، وإذا كان موجودًا فكل ما أمكن أن يكون معتبرًا منها فالأصل أن لا يترتب الحكم بدونه، فمن صلى في بيته في جماعة لم يحصل في صلاته بعض هذا المجموع، وهو المشي الذي به ترفع له الدرجات، وتحط عنه الخطيئات، فمقتضى القياس أن لا يحصل هذا القدر من المضاعفة له؛ لأن هذا الوصف أعني المشي إلى المسجد مع كونه رافعًا للدرجات حاطًا للخطيئات: لا يمكن إلغاؤه، وهذا مقتضى القياس في هذا اللفظ.
إلا أن الحديث الآخر وهو الذي يقتضي ترتيب هذا الحكم على مطلق صلاة الجماعة: يقتضي خلاف ما قلناه، وهو حصول هذا المقدار من الثواب لمن صلى جماعة في بيته، فيتصدى النظر في مدلول كل واحد من الحديثين بالنسبة إلى العموم والخصوص، وروي عن أحمد رحمة الله رواية: أنه ليس يتأدى الفرض في الجماعة بإقامتها في البيوت، أو معنى ذلك، ولعل هذا نظرًا إلى ما ذكرناه".