للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يأذن في مثل هذا الخروج، لا أنها قصدت منع النساء مطلقًا؛ فإنه ليس كل النساء أحدثن، وإنما قصدت منع المحدثات" [مجموع الفتاوى (٢٩/ ٢٩٦)].

وقال ابن رجب في الفتح (٥/ ٣٠٨): "تشير عائشة - رضي الله عنها - إلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرخِّص في بعض ما يرخِّص فيه حيث لم يكن في زمنه فساد، ثم يطرأ الفساد ويحدث بعده، فلو أدرك ما حدث بعده لما استمر على الرخصة، بل نهى عنه؛ فإنه إنما يأمر بالصلاح، وينهى عن الفساد.

وشبيه بهذا: ما كان في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وعهد أبي بكر وعمر من خروج الإماء إلى الأسواق بغير خمار، حتى كان عمر يضرب الأمة إذا رآها منتقبة أو مستترة، وذلك لغلبة السلامة في ذلك الزمان، ثم زال ذلك وظهر الفساد وانتشر، فلا يرخَّص حينئذ فيما كانوا يرخِّصون فيه".

وقال ابن حجر في الفتح (٢/ ٣٤٩): "وتمسك بعضهم بقول عائشة في منع النساء مطلقًا، وفيه نظر؛ إذ لا يترتب على ذلك تغيُّر الحكم؛ لأنها علقته على شرط لم يوجد بناء على ظن ظنته، فقالت: لو رأى لمنع، فيقال عليه: لم ير ولم يمنع؛ فاستمر الحكم، حتى إن عائشة لم تصرح بالمنع، وإن كان كلامها يشعر بأنها كانت ترى المنع.

وأيضًا: فقد علم الله سبحانه ما سيحدثن، فما أوحى إلى نبيه بمنعهن، ولو كان ما أحدثن يستلزم منعهن من المساجد لكان منعهن من غيرها كالأسواق أولى.

وأيضًا: فالإحداث إنما وقع من بعض النساء لا من جميعهن؛ فإن تعيَّن المنع فليكن

لمن أحدثت، والأولى أن ينظر إلى ما يخشى منه الفساد فيجتنب؛ لإشارته - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك بمنع التطيب والزينة، وكذلك التقيد بالليل كما سبق".

قلت: وقد لخص بذلك ابنُ حجر كلامَ ابن حزم في المحلى (٣/ ١٣٥) و (٤/ ٢٠٠) و (٥/ ١٩٦)، فلينظر، فقد ذكر ثمانية أوجه في الرد على من احتج بقول عائشة في منع النساء مطلقًا، معارضًا بذلك السنن الثابتة المتواترة.

فإن قيل: قد أنكر ابن عمر في ذلك على ابنه إنكارًا بليغًا لما عارضه ابنه فيه برأيه، فيقال: لعله أنكر عليه لأجل معارضة الحديث برأيه، قال ابن حجر في الفتح (٢/ ٣٤٨ و ٣٤٩): "وكأن السر في ذلك أن بلالًا عارض الخبر برأيه، ولم يذكر علة المخالفة، ووافقه واقد لكن ذكرها بقوله: يتخذنه دغلًا، ...

وإنما أنكر عليه ابن عمر لتصريحه بمخالفة الحديث، وإلا فلو قال مثلًا: إن الزمان قد تغير، وإن بعضهن ربما ظهر منه قصد المسجد وإضمار غيره، لكان يظهر أن لا ينكر عليه، وإلى ذلك أشارت عائشة بما ذُكر في الحديث الأخير، وأُخذ من إنكار عبد الله على ولده: تأديب المعترض على السنن برأيه، وعلى العالم بهواه، وتأديب الرجل ولده -وإن كان كبيرًا- إذا تكلم بما لا ينبغي له، وجواز التأديب بالهجران".

***

<<  <  ج: ص:  >  >>