للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كما أنه كان يروي المتن مرة مختصرًا، ومرة مطولًا، ويزيد أحيانًا ما لم يذكره في بعض الأحايين.

والوليد بن جميع هذا ليس بالحافظ الذي يحتمل منه هذا التنوع، والاختلاف عليه، بحيث يقال بأن كلًّا قد حدَّث عنه بما سمع، أو أن بعض الثقات الذين رووه عنه قد وهموا فيه عليه [مثل رواية الخريبي]، ولكن الذي يظهر لي أن الاختلاف إنما منشؤه من ابن جميع نفسه، لا سيما وقد ضعف ابن حبان روايته عن عبد الرحمن بن خلاد خاصة، وقال فيه العقيلي: "في حديثه اضطراب"، ثم هو قد تفرد بهذا الحديث وما اشتمل عليه من أحكام وأخبار لم يتابع عليها، لذا قال الحاكم: "وهذه سنة غريبة؛ لا أعرف في الباب حديثًا مسندًا غير هذا"، فمثله لا يحتمل منه هذا التفرد سيما مع قرينة عدم حفظه للإسناد والمتن.

العلة الثانية: عبد الرحمن بن خلاد الأنصاري: لم يرو عنه سوى الوليد بن عبد الله بن جميع، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن القطان الفاسي: "حاله مجهولة"، ولا يُعرف له سماع من أم ورقة، ولا من عمر [التهذيب (٢/ ٥٠٣)، التاريخ الكبير (٥/ ٢٧٨)، الجرح والتعديل (٥/ ٢٣٠)، الثقات (٥/ ٩٨)].

الثالثة: مالك: روت عنه ابنته ليلى، ولا يُعرفان [التاريخ الكبير (٧/ ٣٠٩)، الجرح والتعديل (٨/ ٢١٨)، الثقات (٥/ ٣٨٩)].

الرابعة: ليلى بنت مالك، جدة الوليد بن عبد الله بن جميع: لا تُعرف، ولا يُعرف لها سماع من أم ورقة، ولا من عمر [بيان الوهم (٥/ ٢٣/ ٢٢٥٨)، التقريب (٧٧٩)].

الخامسة: أن عبد الرحمن بن خلاد وجدة الوليد مع كونهما مجهولان، فإنه لا يُعرف لهما سماع لا من أم ورقة، ولا من عمر بن الخطاب.

السادسة: أن هذا الحديث أوله مروي عن أم ورقة، وآخره مروي عن عمر بن الخطاب، وقد يتسمح البعض في جهالة التابعي الذي يرويه عن أم ورقة؛ لكونه من كبار التابعين، إذا كان وصفه بالجهالة، مما لا يقدح في صحة الرواية، لكن مثل هذا مما لا يحتمل هنا، ولا تصح معه الرواية، كيف لا! وقد صعد عمر المنبر وأخبر بالواقعة، ثم تخفى هذه الواقعة، وهذه الفضيلة لأم ورقة، كما تخفى قصة أول مصلوب بالمدينة، كيف يخفى هذا كله بعد ذكر عمر له على المنبر، وبعد رؤية الناس للمصلوبين، فلا ينقله أحد من الصحابة مع توافرهم بالمدينة حينئذ، ولا ينقله أحد من كبار التابعين، ومثل هذا مما يشتهر بين الناس، وتتداوله الألسن، وتتوفر الهمم والدواعى على نقله ونشره وحكايته، ثم أين أهل السير من تلك الحكاية.

ثم قوله: "انطلقوا نزور الشهيدة" يدل على أن الصحابة كانوا يرافقون النبي - صلى الله عليه وسلم - في زيارته لها، فكيف لا تُنقل مثل هذه الفضيلة لهذه المرأة إلا من قِبل هذين المجهولين فقط، دون من اطلع على حالها وعلم فضيلتها من الصحابة، والله أعلم.

السابعة: كيف تخفى هذه السنة على أهل المدينة، والتي منها خرجت، كيف لا

<<  <  ج: ص:  >  >>