تجعل كل امرأة قارئة لنفسها مسجدًا لها في دارها، تتخذ فيه مؤذنًا يؤذن لها، وتؤم فيه أهلها، مثل ما كان من أم ورقة، كيف يخفى ذلك على أهل المدينة، ثم لا ينقله عن أم ورقة إلا أهل العراق، لا سيما لو قلنا بصحة الاحتجاج به على إمامة المرأة للرجال من محارمها، أو عبيدها، أو صبيانها، ثم لا تنتشر هذه السنة في المدينة، بل يكاد يوجد شبه إجماع من المتقدمين على عدم جواز إمامة المرأة للرجال، بل قد قال إمام أهل المدينة بخلاف ما دلت عليه هذه الحكاية، فقد قال مالك:"لا ينبغي للمرأة أن تؤم أحدًا" [المدونة (١/ ٨٤)، قيام رمضان للمروزي (٢٨)، الأوسط لابن المنذر (٤/ ٢٢٧)، المحلى (٣/ ١٢٨)، المغني (٢/ ١٧)].
وبهذه العلل يتبين أن هذا الحديث: حديث ضعيف.
فلا ينبغي الاشتغال بتأويله، فيما يتعلق بإمامة المرأة للرجال، وأما حديث جابر مرفوعًا:"لا تؤمَّنَّ امرأةٌ رجلًا" فهو حديث منكر، تقدم تخريجه والكلام عليه تحت الحديث السابق برقم (٥٩٠).
ومما جاء في إمامة المرأة للنساء من فعل أمهات المؤمنين:
١ - سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة: كلاهما عن عمار بن معاوية الدهني، عن حجيرة بنت الحصين، قالت: أمَّتنا أم سلمة في صلاة العصر، فقامت بيننا.
أخرجه الشافعي في الأم (١/ ١٦٤)، وفي المسند (٥٣)، وعبد الرزاق (٣/ ١٤٠/ ٥٠٨٢)، ومسدد في مسنده (٣/ ٦٥٣/ ٣٩٧ - المطالب)، وابن سعد في الطبقات (٨/ ٤٨٤)، وابن أبي شيبة (١/ ٤٣٠/ ٤٩٥٢)، وابن المنذر في الأوسط (٤/ ٢٢٧/ ٢٠٧٥)، وأبو بكر النيسابوري في الزيادات على المزني (٧٥ و ٧٦)، والدارقطني (١/ ٤٠٥)، وابن حزم في المحلى (٤/ ٢٢٠)، والبيهقي في السنن (٣/ ١٣١)، وفي المعرفة (٢/ ٤١٠/ ١٥٦٤).
صحح إسناده النووي، كما سيأتي، لكن حجيرة بنت الحصين: مجهولة، ولم أجد من وثقها، لكن مثل هذه الجهالة مما تحتمل، إذ لم ترو منكرًا، وإنما حكت واقعة خاصة حضرتها يحتمل تفرد النساء بها، وقد توبعت عليها، كما سيأتي.
٢ - سفيان الثوري: حدثني ميسرة بن حبيب النهدي، عن ريطة الحنفية، أن عائشة أمَّتهنَّ، وقامت بينهن في صلاة مكتوبة.
وفي رواية: قالت: أمَّتنا عائشة في الصلاة، فقامت وسطنا.
أخرجه عبد الرزاق (٣/ ١٤١/ ٥٠٨٦)، وابن سعد في الطبقات (٨/ ٤٨٣)، وعبد الله بن أحمد في العلل ومعرفة الرجال (٢/ ٥٥٢/ ٣٦١١)، وابن المنذر في الأوسط (٤/ ٢٢٧/ ٢٠٧٦)، وأبو بكر النيسابوري في الزيادات على المزني (٧٢ - ٧٤)، والدارقطني (١/ ٤٠٤)، وابن حزم في المحلى (٤/ ٢١٩)، والبيهقي (٣/ ١٣١).