لأبي هريرة وغيره في أن يصلي الأصحاء وراءه جلوسًا"، ثم نقل هذا القول عن جمهور السلف والعلماء.
وقال البيهقي في السنن (٢/ ٣٠٤): "وفي صلاته بأبي بكر وهو قاعد، وأبو بكر قائم: دلالة على أن الأمر الأول صار منسوخًا، وأن الصحيح يصلي قائمًا، وإن صلى إمامه قاعدًا بالعذر، وبالله التوفيق".
قلت: فتبع بذلك الشافعي، ولم يتبع الأثر.
وقال ابن عبد البر في التمهيد (٢٢/ ٣١٧): "وليس بين المسلمين تنازع في جواز صلاة الجالس المريض خلف الإمام القائم الصحيح؛ لأن كلًّا يؤدي فرضه على قدر طاقته، وإنما التنازع بينهم في الصحيح القادر على القيام، هل يجوز له أن يصلي جالسًا خلف إمام مريض جالس في صلاته أم لا؟ ".
وقال أيضًا (٦/ ١٣٨): "واختلفوا في المأموم الصحيح يصلي قاعدًا خلف إمام مريض لا يستطيع القيام: فأجازت ذلك طائفة من أهل العلم، اتباعًا لهذا الحديث وما كان مثله، من قوله - صلى الله عليه وسلم - في الإمام:"وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعون" روي هذا الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من طرق كثيرة متواترة من حديث أنس، وحديث أبي هريرة، وحديث عائشة، وحديث ابن عمر، وحديث جابر، كلها عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، بأسانيد صحاح، وممن ذهب إلى هذا: حماد بن زيد، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وإليه ذهب داود في رواية عنه، قال أحمد بن حنبل: وفعله أربعة من الصحابة بعده: أسيد بن حضير، وقيس بن قهد، وجابر، وأبو هريرة" [ونقل في موضع آخر (٢٢/ ٣١٨) عن أبي بكر الأثرم قوله: "قيل لأحمد: فمن احتج بحديث عائشة: آخر صلاة صلاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس، وأبو بكر قائم يأتم به، والناس قائمون يأتمون بأبي بكر؟ فقال: قد كان الشافعي يحتج بهذا، وليس في هذا حجة؟ لأن أبا بكر ابتدأ الصلاة قائمًا بقيام"].
إلى أن قال: "وقال جمهور أهل العلم: لا يجوز لأحد أن يصلي في شيء من الصلوات المكتوبات جالسًا وهو صحيح قادر على القيام، لا إمامًا، ولا منفردًا، ولا خلف إمام، ثم اختلفوا: فمنهم من أجاز صلاة القائم خلف القاعد المريض، لأن كلًّا يؤدي فرضه على قدر طاقته، اقتداءً وتأسيًا برسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ صلى في مرضه الذي توفي فيه قاعدًا، وأبو بكر إلى جنبه قائمًا يصلي بصلاته، والناس قيام خلفه يصلون بصلاته، فلم يشر إلى أبي بكر، ولا إليهم بالجلوس، وأكمل صلاته بهم جالسًا، وهم خلفه قيام، ومعلوم أن ذلك كان منه بعد سقوطه عن فرسه، وصلاته حينئذ قاعدًا، وقوله:"فإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا"، فعلم أن الآخر من فعله ناسخ للأول، فإنهم ما قاموا خلفه وهو جالس إلا لعلمهم بأنه قد نسخ ذلك بفعله - صلى الله عليه وسلم -، والدليل على أن حديث هذا الباب منسوخ بما كان منه في مرضه - صلى الله عليه وسلم -: