للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إجماع العلماء على أن حكم القيام في الصلاة على الإيجاب لا على التخيير، ولما أجمعوا على أن القيام في الصلاة لم يكن فرضه قط على التخيير، وجب طلب الدليل على النسخ في ذلك، وقد صح أن صلاة أبي بكر والناس خلفه قيامًا وهو قاعد في مرضه الذي توفي فيه متأخر عن صلاته في حين سقوطه عن فرسه، فبان بذلك أنه ناسخ لذلك، وممن ذهب هذا المذهب واحتج بنحو هذه الحجة: الشافعي، وداود بن علي، وأصحابهما".

ثم حكى عن مالك القول بفساد صلاة القائم الصحيح خلف القاعد المريض، قال مالك: "ومن صلى قاعدًا من غير علة أعاد الصلاة" [وقال في موضع آخر (٢٢/ ٣١٩) يحكي مذهب مالك: "أن ليس لأحد أن يؤم جالسًا وهو مريض بقوم أصحاء، ومن فعل ذلك فصلاته فاسدة، وعليهم الإعادة"].

ثم حكى قول محمد بن الحسن إلى أن قال عنه: "وصلاة من صلى خلفه ممن حكمه القيام باطلة، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: صلاته وصلاتهم جائزة".

وانظر كلامه في الاستذكار (٢/ ١٧٦)، وكان مما قال: "وأخبرنا عن العلة الموجبة لقيام أبي بكر وقيام الناس معه، بعد أن كان هو الإمام في أول تلك الصلاة، وأنهما لم يكونا إمامين في صلاة واحدة، كما زعم من أراد إبطال الحديث بذلك، وأن ذلك إنما كان لأن الإمام يحتاج أن يُسمع من خلفه تكبيره، ويُظهر إليهم أفعاله، وكانت حال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه حال من يضعف عن ذلك، فأقام أبا بكر إلى جنبه لينوب عنه في إسماع الناس التكبير، ورؤيتهم لخفضه ورفعه، ليقتدوا به في حركاته وهو جالس، والناس وأبو بكر وراءه قيام.

وصحت بذلك النكتة التي بان فيها أن صلاة القائم خلف الإمام المريض جائزة، وأن قوله: "فصلوا جلوسًا" منسوخ".

وقال في التمهيد (٢٢/ ٣١٥) أيضًا عن حديث صلاة أبي بكر بالناس: "وفي هذا الحديث نسخ لقوله - صلى الله عليه وسلم - في الإمام: "إذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا" لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذه الصلاة صلى جالسًا، وأبو بكر إلى جنبه قائمًا يصلي بصلاته، ويقتدي به، والناس يصلون ويقتدون بأبي بكر قيامًا، ومعلوم أن صلاته هذه في مرضه الذي توفي منه، وأن قوله: "إذا صلى الإمام جالسًا فصلوا جلوسًا" كان في حين سقط من فرسه فجحش شقه قبل هذا الوقت، والآخر من فعله ينسخ الأول، لأنه كان جالسًا في هذه الصلاة، وأبو بكر قائم خلفه والناس، فلم يأمر أبا بكر بالجلوس ولا أحدًا غيره، وهذا بيِّن غير مشكل، والحمد لله.

ومع هذا فإن النظر يعضد هذا الحديث، لأن القيام فرض في الصلاة بإجماع المسلمين على كل من قدر على القيام، وأظن ذلك أيضًا لقول الله عز وجل: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: ٢٣٨] وإذا كان القيام فرضًا في الصلاة على كل أحد في خاصته، فمحال أن يسقط عنه فرض قد وجب عليه لضعف غيره عنه وهو قوي عليه؛ إلا أن يسقط بكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>