للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أو سنة أو إجماع، وذلك معدوم في هذه المسألة، ألا ترى أنه لا يحمل عنه ركوعًا ولا سجودًا، فإن احتج محتج بأن الآثار متواترة عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في الإمام: "إذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا، رواها أنس وعائشة وأبو هريرة وجابر وابن عمر، قيل له: لسنا ندفع ثبوت تلك الآثار، ولكنا نقول: إن الآخر من فعله - صلى الله عليه وسلم - ينسخ ذلك، فإن قيل له: إنه قد اختلف عن عائشة في صلاته تلك، فروي عنها أن أبا بكر كان المقدم، قيل له: ليس هذا باختلاف، لأنه قد يجوز أن يكون أبو بكر هو المقدم في وقت، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - المقدم في وقت آخر، وقد روى الثقات الحفاظ أن أبا بكر كان خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بصلاته، والناس قيام يصلون بصلاة أبي بكر، فهذه زيادة حافظ وصف الحال، وأتى بالحديث على وجهه".

قلت: مال بذلك ابن عبد البر إلى قول الشافعي.

وقال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (١/ ٣٢٧): "وعلى هذا أكثر الآثار الصحاح: على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان المتقدم، وأن أبا بكر كان يصلي بصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -".

وقال ابن رجب في الفتح (٤/ ١٥١ - ١٥٨): "وقد اختلف العلماء في صلاة القادر على القيام خلف الجالس:

فقالت طائفة: لا يجوز ذلك بالكلية، هذا قول: محمد بن الحسن، والحسن بن حي، ومالك -في ظاهر مذهبه-، والثوري، في رواية عنه.

وتعلق بعضهم بحديث مرسل، رواه جابر الجعفي، عن الشعبي، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يؤمن أحد بعدي جالسًا".

وجابر: لا يحتج بما يسنده، فكيف بما يرسله؟ وقد طعن في حديثه هذا: الشافعي، وابن أبي شيبة، والجوزجاني، وابن حبان، وغيرهم.

وروى سيف بن عمر الضبي: ثنا سعيد بن عبد الله الجمحي، عن أبيه، عن محمد بن

مسلمة، قال: دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شكوى اشتكاه، وحضرت الصلاة، فصلى بنا

جالسًا ونحن قيام، فلما انصرف قال: "إذا صلى إمامكم جالسًا فصلوا جلوسًا"، وكنا نفعل ذلك حتى حج حجته، فنهى فيها أن يؤم أحد قومًا وهو جالس.

خرجه القاضي محمد بن بدر في كتاب المناهي، وهو حديث باطل، وسيف هذا مشهور بالكذب.

وقالت طائفة: يجوز أن يصلي القادر على القيام خلف الإمام الجالس العاجز عن القيام بكل حال، وهو قول: أبي حنيفة، وأبي يوسف، وزفر، وابن المبارك، والثوري، ومالك -وفي رواية عنهما-، والأوزاعي، والشافعي، وغيرهما.

واختلفت الرواية عن الإمام أحمد في ذلك، فالمشهور عنه: أنه لا يجوز أن يأتم القادر على القيام بالعاجز عنه، إلا أن يكون العاجز إمام الحي، ويكون جلوسه لمرض يرجى برؤه، ويأتمون به جلوسًا، كما سيأتي إن شاء الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>