للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ونقل عنه الميموني: أنه لا يجوز ذلك إلا خلف الإمام الأعظم خاصة، إذا كان مرضه يرجى برؤه.

وروي عنه ما يدل على جواز الائتمام بالجالس مطلقًا، لكن إن كان إمام الحي ورجي زوال علته صلوا وراءه جلوسًا، وإن كان غير ذلك صلوا وراءه قيامًا.

واختلف القائلون بجواز اقتداء القادر على القيام بالجالس: هل يصلي وراءه جالسًا، أو قائمًا؟

فقالت طائفة: يصلي وراءه قائمًا، هذا قول: المغيرة، وحماد، وأبي حنيفة، والثوري، وابن المبارك، ومالك، والشافعي، وأبي ثور.

واعتمدوا على أقيسة أو عمومات، مثل قوله: "صلِّ قائمًا، فإن لَمْ تستطع فقاعدًا".

وتبعهم على ذلك طائفة من المحدثين: كالحميدي والبخاري، وادعوا نسخ أحاديث الأمر بالجلوس لصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في مرض موته قاعدًا والناس خلفه قيامًا، ولم يأمرهم بالجلوس، كما قرره البخاري، وحكاه عن الحميدي.

وقال آخرون: بل يصلي القادر على القيام خلف الإمام الجالس جالسًا، هذا هو المروي عن الصحابة، ولا يعرف عنهم اختلاف في ذلك.

وممن روي عنه ذلك من الصحابة: أسيد بن حضير، وقيس بن قهد، وجابر بن عبد الله، وأبو هريرة، ومحمود بن لبيد، ولا يعرف عن صحابي خلاف ذلك، بل كانوا يفعلون ذلك في مساجدهم ظاهرًا، ولم ينكر عليهم عملهم صحابي ولا تابعي".

ثم ذكر هذه الآثار، ثم قال: "قال الإمام أحمد: فعله أربعة من الصحابة: أسيد بن حضير، وقيس بن قهد، وجابر، وأبو هريرة. قال: ويروى عن خمسة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا"، ولا أعلم شيئًا يدفعه.

وهذا من علمه وورعه - رضي الله عنه -، فإنه إنما دُفع ذلك بالنسخ وهي دعوى مردودة، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

وكان الإمام أحمد يتورع عن إطلاق النسخ؛ لأن إبطال الأحكام الثابتة بمجرد الاحتمالات مع إمكان الجمع بينها وبين ما يُدَّعى معارضها غير جائز، وإذا أمكن الجمع بينها والعمل بها كلها وجب ذلك، ولم يجز دعوى النسخ معه، وهذه قاعدة مطردة.

وهي: أننا إذا وجدنا حديثًا صحيحًا صريحًا في حكم من الأحكام، فإنه لا يُرَدُّ باستنباطٍ من نص آخر لم يُسَقْ لذلك المعنى بالكلية، فلا ترد أحاديث تحريم صيد المدينة بما يستنبط من حديث النُّغَير، ولا أحاديث توقيت صلاة العصر الصريحة بحديث: "مثلكم فيما خلا قبلكم من الأمم كمثل رجل استاجر أجراء. . . " الحديث، ولا أحاديث: "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة" بقوله: "فيما سقت السماء العشر"، وقد ذكر الشافعي أن هذا لم يُسَق لبيان قدر ما يجب منه الزكاة، بل لبيان قدر الزكاة، وما أشبه هذا.

وممن ذهب إلى أن المأموم يصلي جالسًا خلف الإمام الجالس بكل حال من

<<  <  ج: ص:  >  >>