وقد أجمع العلماء على أن من صلى مستور العورة فلا إعادة عليه، وإن كانت امرأة فكل ثوب يغيب ظهور قدميها ويستر جميع جسدها إذا سترت شعرها فجائز لها الصلاة فيه؛ لأنها كلها عورة إلا الوجه والكفين، على هذا أكثر أهل العلم.
. . . وأما الرجل فإن أهل العلم يستحبون أن يكون على عاتق الرجل ثوب إذا لم يكن متزرًا في صلاته، ويستحبون لكل من قدر على جميل الثياب يتجمل بها في صلاته، كما يفعل في جمعته، من سواكه وطيبه" [وما بين المعكوفين فمن موضع آخر من الاستذكار (٨/ ٣٣٩)] [وانظر: التمهيد (٦/ ٣٦٤) و (١٢/ ١٦٨) و (٢٢/ ٢١٠)، فتح الباري لابن رجب (٢/ ١٤٤)].
وقال في التمهيد (٦/ ٣٧٣): "فهذه سنة الصلاة في الثوب الواحد [يعني: فليخالف بطرفيه على عاتقيه، إذا كان واسعًا، وإن كان ضيقًا فحديث جابر وحديث ابن عمر".
وقال النووي في شرح مسلم (٤/ ٢٣٣): "قال ابن السكيت: التوشح: أن يأخذ طرف الثوب الذي ألقاه على منكبه الأيمن من تحت يده اليسرى، ويأخذ طرفه الذي ألقاه على الأيسر من تحت يده اليمنى، ثم يعقدهما على صدره".
وقال ابن رجب في الفتح (٢/ ١٧٢) عن حديث أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة، أن فيه: "إشارة إلى أنه لو لم تشرع الصلاة في ثوب واحد لشق على كثير منهم؛ فإنه كان فقيرًا لا يجد ثوبين.
وفيه إشارة أيضًا إلى أن الصلاة في الثوب الواحد إنما شرعت لقلة الثياب حينئذ. فلما كثرت الثياب، ووسع الله على المسلمين، بفتح البلاد عليهم وانتقال ملك فارس والروم إليهم: أمر عمر - رضي الله عنه - حينئذ بالصلاة في ثوبين ثوبين؛ لزوال المعنى الذي كان لأجله شرعت الصلاة في ثوب واحد".
وقال أيضًا (٢/ ١٨٨): "وقد أجمع العلماء على صحة صلاة من صلى في ثوب واحد وستر منكبيه، قال ابن المنذر: لا أعلم أحدًا أوجب على من صلى في ثوب واحد الإعادة".
قلت: وأما الجمع بين الأحاديث الآمرة بجعل شيء من الثوب على العاتقين لمن صلى في ثوب واحد، وبين حديث جابر في الاتزار بالثوب إذا كان ضيقًا ولم يمكن معه التوشح، فكما قال الأثرم بأن ذلك محمول على حالة العجز عن ستر المنكبين، والنهيُ عن إعرائهما إنما يكون للقادر على سترهما، وكما قال إسحاق: "إن أعرى منكبيه في الصلاة من ضرورةٍ فجائزٌ" [فتح الباري لابن رجب (٢/ ١٥٦)].
وأما حمل ذلك على النفل دون الفرض فبعيد؛ إذ لو كان كذلك لبين النبي - صلى الله عليه وسلم - لجابر حين قال له: "إذا كان واسعًا فخالف بين طرفيه، وإذا كان ضيقًا فاشدُدْه على حِقْوِك"، وفي الرواية الأخرى: "إذا صلَّيت وعليك ثوبٌ واحد، فإن كان واسعًا فالتحف به، وإن كان ضيقًا فاتَّزِر به"، لو كان هذا خاصًّا بالنفل دون الفرض، لبين له النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك في حينه؛ إذ لا