للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

شاذًا مردودًا؛ لمعارضته ما هو أقوى منه، كحديث الباب، بل سيأتي عنده من طريق أبي سلمة عن عائشة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان له حصير يبسطه ويصلي عليه، وفي مسلم من حديث أبي سعيد: أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي على حصير".

وقال في موضع آخر (١٠/ ٣١٤): "وفيه إشارة إلى ضعف ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق شريح بن هانئ ... " فذكره.

قلت: سبق أن ذكرت أن حديث عائشة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان له حصير يبسطه بالنهار، ويحتجره بالليل، ليس فيه أنه كان يصلي عليه، وإنما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتخذه حاجزًا يحتجر به، أي: يتخذه حجرة يستتر فيها ويخلو، لا أنه يفرشه فيصلي عليه، بل ورد في بعض الروايات: أنه كان يصلي إليه، فظهر بذلك المعنى، والله أعلم.

وإنما الحجة في ذلك، من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على حصير: ما تقدم من حديث أنس بن مالك [بطرقه] [عند الشيخين]، وحديث أبي سعيد الخدري [عند مسلم]، فإنه ثابت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى على حصير، ورد ذلك من طرق متعددة أسانيدها في غاية الصحة، وقد أخرجها الشيخان في صحيحيهما، فلا تُعارَض بمثل ما تفرد به يزيد بن المقدام، فإنه وإن قال فيه ابن معين وأبو داود والنسائي: "ليس به بأس"، فإن هذا لا يعني أنه كان من الثقات المتقنين الضابطين، ولكنه كان ممن يهم ويخطئ، يبين ذلك سؤال عباس الدوري لابن معين، ومراجعته فيه، حيث قال: "سمعت يحيى يقول: يزيد بن المقدام بن شريح: ليس به بأس، قلت ليحيى: قد قيل عنك إنك لا ترضاه، قال: ليس به بأس" [تاريخ الدوري (٣/ ٥٤٩/ ٢٦٨٥)].

وعلى هذا فهو حديث شاذ؛ لمعارضته الأحاديث الصحيحة الثابتة في الباب، ولا يقال بأن عائشة أخبرت بما تعلم، وأنها لم تره - صلى الله عليه وسلم - يصلي على حصير، فإن هذا بعيد جدًّا، فهي التي روت حديث الخمرة، وأنها كانت تأتي بها من المسجد، وهي حصير قصير يستعمل للسجود عليه، كما سبق بيانه، وهي التي كانت تنصب الحصير له - صلى الله عليه وسلم - ليحتجر به، كما أنها روت أيضًا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي على الخمرة، وفي رواية: على حصير [تقدم ذكره تحت الحديث السابق برقم (٦٥٦)].

وذهب ابن قتيبة في إعلال حديث يزيد بن المقدام إلى معنى آخر، وهو أن أكثر المفسرين ذهبوا إلى أن الحصير المذكور في الآية بمعنى: الحصر والحبس والسجن، لا الحصير المعهود، وإن كان ابن جرير الطبري مال إلى ترجيح قول الحسن فيه، وأنه هو الحصير المعهود، بمعنى الفراش والمهاد، والله أعلم [انظر: جامع البيان (٨/ ٤٢)، وغيره].

• وقد روي من وجه آخر عن شريح عن عائشة في هذا أيضًا ما يعارض الثابت عنها، وعن غيرها من الصحابة:

فقد روى عمرو بن مرزوق [ثقة، له أوهام]: أنبأ مالك بن مغول، قال: سمعت

<<  <  ج: ص:  >  >>