وقال أيضًا:"ولما ذكر أبو بكرة للنبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ركع وحده فلم يأمره بإعادة، دل ذلك على أنه يجزي عنه، وقوله: "ولا تعد" يشبه قوله: "لا تأتوا الصلاة وأنتم تسعون، وأتوها وأنتم تمشون، وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فاقضوا"، يعني -والله أعلم-: ليس عليك أن تركع حتى تصل إلى موقفك؛ لما في ذلك من التعب؛ كما ليس عليك أن تسعى إذا سمعت الإقامة" [المعرفة (٢/ ٣٨١)، السنن (٢/ ٩٠)].
٥ - قال ابن حبان:"هذا الخبر من الضرب الذي ذكرت في كتاب فصول السنن: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد ينهى عن شيء في فعل معلوم ويكون مرتكب ذلك الشيء المنهي عنه مأثومًا بفعله ذلك إذا كان عالمًا بنهي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - عنه، والفعل جائز على ما فعله، كنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن أن يخطب الرجل على خطبة أخيه، أو يستام على سوم أخيه، فإن خطب امرؤ على خطبة أخيه بعد علمه بالنهي عنه كان مأثومًا، والنكاح صحيح، فكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكرة: "زادك الله حرصًا، ولا تعد"، فإن عاد رجل في هذا الفعل المنهي عنه، وكان عالمًا بذلك النهي: كان مأثومًا في ارتكابه المنهي، وصلاته جائزة؛ ولأنه - صلى الله عليه وسلم - أباح هذا القدر لأبي بكرة مستثنى من جملة ما نهاه عنه في خبر وابصة، كالمزابنة والعرية ولو لم تجز الصلاة بهذا الوصف لأبي بكرة لأمره - صلى الله عليه وسلم - بإعادة الصلاة، وقوله: "ولا تعد" أراد به: لا تعد في إبطاء المجيء إلى الصلاة؛ لا أنه أراد به أن لا تعود بعد تكبيرك في اللحوق بالصف".
وقد رد بعضهم هذا التأويل بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أثنى على أبي بكرة بقوله:"زادك الله حرصًا"، فقد كان حريصًا على إدراك الصلاة، وكذلك على إدراك الركعة بإدراك الركوع، فلم يعاتبه على التأخير، وإنما نهاه عن عدم العود لما سبق ذكره والتنبيه عليه بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أيُّكم الذي ركع دون الصف، ثم مشى إلى الصف؟ ".
قال ابن قدامة في المغني (٢/ ٣٥): "فلم يأمره بإعادة الصلاة، ونهاه عن العود، والنهي يقتضي الفساد؛ فإن قيل: إنما نهاه عن التهاون والتخلف عن الصلاة، قلنا: إنما يعود النهي إلى المذكور، والمذكور: الركوع دون الصف، ولم ينسبه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى التهاون، وإنما نسبه إلى الحرص، ودعا له بالزيادة فيه، فكيف ينهاه عن التهاون، وهو منسوب إلى ضده".
٦ - وقال ابن حزم في الاحكام (٢/ ١٩٢): "إنه عليه السلام نهاه بقوله: "لا تعد" عن كل عمل عمله على غير الواجب، وكان من أبي بكرة - رضي الله عنه - في ذلك الوقت أعمال منهي عنها، أحدها: سعيه إلى الصلاة، والثاني: تكبيره دون الصف، والثالث: مشيه في الصلاة، فعن كل ذلك نهاه عليه السلام بقوله: "ولا تعد"".
وقال ابن حجر في الفتح (٢/ ٢٦٨): "قوله: "ولا تعد" أي: إلى ما صنعت من السعي الشديد، ثم الركوع دون الصف، ثم من المشي إلى الصف".
٧ - وقال البغوي في شرح السنة (٣/ ٣٧٨): "لأن أبا بكرة ركع خلف الصف، فقد