أتى بجزء من الصلاة خلف الصف، ثم لم يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإعادة، وأرشده في المستقبل إلى ما هو أفضل بقوله:"ولا تعد" وهو نهي إرشاد، لا نهي تحريم، ولو كان للتحريم لأمره بالإعادة".
٨ - وقال القاضي عياض في المشارق (٢/ ١٠٥): "وقوله للذي دب راكعًا: "زادك الله حرصًا، ولا تعد" أي: لا تعد إلى التأخير، وقيل: إلى التكبير دون الصف، وقيل: إلى الدب وأنت راكع، وقال الداوودي: معناه: لا تعد لإعادة الصلاة فإنها تجزيك؛ تصويبًا لما فعل".
قلت: قول الداوودي بعيد، وسياق القصة لا يساعد على هذا المعنى، فلم يهُم أبو بكرة بالإعادة، ولم يسأل عنها، وإنما سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عمن ركع دون الصف، ثم مشى إلى الصف، ثم نهاه عن ذلك، والله أعلم.
وقال النووي في الخلاصة (٢/ ٧١٩): "قيل معناه: لا تعد إلى الإحرام خلف الصف، وقيل: إلى التأخر عن الصلاة، وقيل: إلى إتيانها مسرعًا"، وكذا قال في المجموع (٤/ ٢٥٤).
٩ - وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في المجموع (٢٣/ ٣٩٧): "وأما حديث أبي بكرة: فليس فيه أنه صلى منفردًا خلف الصف قبل رفع الإمام رأسه من الركوع، فقد أدرك من الاصطفاف المأمور به، ما يكون به مدركًا للركعة، فهو بمنزلة أن يقف وحده ثم يجيء آخر فيصافه في القيام، فإن هذا جائز باتفاق الأئمة، وحديث أبي بكرة فيه النهى بقوله:"ولا تعد"، وليس فيه أنه أمره بإعادة الركعة، كما في حديث الفذ، فإنه أمره بإعادة الصلاة، وهذا مبين مفسر، وذلك مجمل، حتى لو قُدِّر أنه صرح في حديث أبي بكرة بأنه دخل في الصف بعد اعتدال الإمام -كما يجوز ذلك في أحد القولين في مذهب أحمد وغيره- لكان سائغًا في مثل هذا، دون ما أمر فيه بالإعادة، فهذا له وجه، وهذا له وجه".
وقال ابن القيم في إعلام الموقعين (٢/ ٣٥٩): "وإن أحرم وحده فالاعتبار بالمُصافَّة فيما تُدرَك به الركعة وهو الركوع".
وقال أيضًا (٢/ ٣٦٠): "فلو فعل أحد ذلك غير عالم بالنهي لقلنا له كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سواء، فإن عاد بعد علمه بالنهي: فكما أن يجتمع مع الإمام في الركوع وهو في الصف، أو لا، فإن جامعه في الركوع وهو في الصف: صحت صلاته؛ لأنه أدرك الركعة وهو غير فذٍّ، كما لو أدركها قائمًا، وإن رفع الإمام رأسه من الركوع قبل أن يدخل في الصف فقد قيل: تصح صلاته، وقيل: لا تصح له تلك الركعة، ويكون فذًّا فيها، والطائفتان احتجوا بحديث أبي بكرة، والتحقيق أنه قضية عين يحتمل دخوله في الصف قبل رفع الإمام، ويحتمل أنه لم يدخل فيه حتى رفع الإمام، وحكاية الفعل لا عموم لها؛ فلا يمكن أن يُحتجَّ بها على الصورتين؛ فهي إذًا مجملة متشابهة" [وانظر: حاشيته على سنن أبي داود (٢/ ٢٦٧)].