عليه أبو داود، بل أخرج بعده مباشرة ما ينافيه ويعارضه، لا سيما ما سيأتي من الآثار الدالة على ذلك، والله أعلم.
***
٨٦ - قال أبو داود: حدثنا محمد بن بشار: حدثنا عبد الرحمن: حدثنا بشر بن منصور، عن ابن جريج، عن عطاء: أنه كره الوضوء باللبن والنبيذ، وقال: إن التيمم أعجب إليَّ منه.
أخرجه من طريق أبي داود: البيهقي في السنن (١/ ٩).
وإسناده صحيح إلى ابن جريج، وعطاء هو ابن أبي رباح.
وروى عبد الرزاق في مصنفه (١/ ١٧٩/ ٦٩٥)، عن ابن جريج، عن عطاء: أنه كان يكره أن يتوضأ باللبن.
وعلقه البخاري في الصحيح بصيغة الجزم في (٤) كتاب الوضوء، (٧١) باب: لا يجوز الوضوء بالنبيذ ولا المسكر، وكرهه الحسن وأبو العالية، وقال عطاء: التيمم أحب إليَّ من الوضوء بالنبيذ واللبن.
ثم أسند حديث عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"كل شراب أسكر فهو حرام" [البخاري (٢٤٢)، مسلم (٢٠٠١)].
قال الخطابي في أعلام الحديث (١/ ٢٩٢): "واستدل به أبو عبد الله في منع جواز النبيذ في الوضوء".
وقال البيهقي في المعرفة (١/ ١٤٠): "وفيه دلالة على أن النبيذ الذي يسكر كثيره: حرام، وما كان حرامًا في نفسه لا بحرمة مالكه، لم تصح به الطهارة".
وقال في الخلافيات (١/ ١٥٦): "ويمكن أن يستدل من طريق الخبر في منع جواز استعمال النبيذ في الوضوء بحديث ابن عمر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام" أخرجه مسلم في الصحيح [(٢٠٠٣)]، فثبت بهذا وقع اسم الخمر على النبيذ لكونه مسكرًا، وقد قال الله عز اسمه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠)} [المائدة: ٩٠]، فأمر باجتنابه، وذلك يقتضي منع استعماله من كل وجه".
وقال ابن بطال في شرحه (١/ ٣٦١): "ووجه احتجاج البخاري رحمهُ الله في هذا الباب بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "كل شراب أسكر فهو حرام" هو أنه إذا أسكر الشراب فقد وجب اجتنابه لنجاسته، وحرم استعماله في كل حال، ولم يحل شربه، وما لم يحل شربه لا يجوز الوضوء به، لخروجه عن اسم الماء في اللغة والشريعة، وكذلك النبيذ غير المسكر أيضًا فهو في معنى المسكر من جهة أنه لا يقع عليه اسم الماء، ولو جاز أن يسمى النبيذ ماءً لأن فيه ماءً، جاز أن يسمى الخل ماءً؛ لأن فيه ماءً، وهذا أبو عبيد -وهو إمام في اللغة-