والطحاوي نفسه مع ما قاله في عبد الحميد؛ فإنه لم يستغن عن حديثه احتجاجًا، أو استشهادًا في كتابه هذا، فكيف يستقيم قوله وفعله فيه [شرح المعاني (١/ ٢٩٧ و ٣٤٣) و (٢/ ٦٩) و (٣/ ١٨٢ و ٢١٩) و (١/ ٢٠٤ و ٢٣٢ و ٢٤٨ و ٣٠٠ و ٣٤٢ و ٣٧٢)]، وقد تبع ابنُ القطان الطحاويَّ على ذلك [بيان الوهم (٢/ ٤٦٢/ ٤٦٢)]، ومع ذلك فقد وثقه في موضع آخر [بيان الوهم (٣/ ٥١٤/ ١٢٨٧)]، وتكلم عليه في مواضع.
والحاصل: فإن عبد الحميد بن جعفر: صدوق، وله أوهام، لكنه لا ينزل عن رتبة أهل الصدق والأمانة في الرواية، فهو حسن الحديث، ممن يحتج به إذا انفرد، ولم يخالف الثقات في مروياتهم.
وأما دعوى الطحاوي بأن محمد بن عمرو بن عطاء لم يسمع ذلك الحديث من أبي حميد؛ فدعوى ضعيفة؛ قام الدليل على خلافها، فقد صرح البخاري بسماع ابن عطاء من أبي حميد، فقال في التاريخ الكبير (١/ ١٨٩): "محمد بن عمرو بن عطاء بن عباس بن علقمة العامري القرشي المديني: سمع أبا حميد الساعدي، وأبا قتادة، وابن عباس، روى عنه: عبد الحميد بن جعفر، وموسى بن عقبة، ومحمد بن عمرو بن حلحلة، والزهري".
وقد ثبت سماع ابن عطاء لهذا الحديث من أبي حميد في رواية عبد الحميد بن جعفر، وفي رواية محمد بن عمرو بن حلحلة الآتية، وسيأتي لهذا مزيد كان، والله أعلم.
وأما دعوى الطحاوي بأن أبا عاصم لم يتابع على قوله في هذا الحديث:"فقالوا جميعًا: صدقت"، فدعوى ساقطة؛ فقد صح من رواية فليح الآتية برقم (٧٣٤): "فقال القوم كلهم: هكذا كانت صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "، وكذا من رواية ابن إسحاق:"فقالوا: أصبت صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -".
• تابع أبا عاصم النبيل ويحيى بن سعيد القطان عليه:
أبو أسامة حماد بن أسامة [ثقة ثبت]، وعبد الملك بن الصباح المسمعي [ثقة]، وهشيم بن بشير [ثقة ثبت، ولفظه مختصر]:
وهذا لفظ المسمعي، قال: حدثنا عبد الحميد بن جعفر المدني، عن محمد بن عمرو بن عطاء، قال: سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قالوا: ما كنت أقدمنا له صحبة، ولا أطولنا له تباعة، قال: بلى، قالوا: فاعرض، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة [وفي رواية أبي أسامة: استقبل القبلة، ثم]، رفع يديه حتَّى يحاذي منكبيه، ثم كبر واعتدل قائمًا، حتَّى يقِرَّ كل عظم في موضعه معتدلًا، ثم يقرأ، ثم يرفع يديه، ويكبر ويركع، فيضع راحتيه على ركبتيه، ولا يصُبُّ رأسه، ولا يُقْنِعه [وفي رواية أبي أسامة: ثم عدل صلبه، ولم يُصوِّب رأسه، ولم يُقنِعه]، ثم يقول:"سمع الله لمن حمده"، ويرفع يديه حتَّى يحاذي بهما منكبيه معتدلًا، حتَّى يقر كل عظم في موضعه معتدلًا، ثم يكبر ويسجد فيجافي جنبيه [وفي رواية أبي أسامة: ثم هوى إلى الأرض، فقال:"الله أكبر"، وسجد، وجافى عضديه عن جنبيه،