وعليه: فإن هذا القول من سليمان بن داود - أحد رواة هذا الحديث عن ابن أبي الزناد - يدل على تصحيحه له، والله أعلم.
وهذا الإسناد إسناد جيد حسن؛ فإن:
أ - رجاله كلهم مدنيون، عدا الهاشمي، فقد سكن بغداد، وتابعه اثنان من أهل المدينة، ومصري هو من أعلم الناس بحديث أهل المدينة.
ب - وابن أبي الزناد لم يسلك فيه الجادة والطريق السهل، فلم يقل فيه: عن أبيه، ولا عن هشام بن عروة، وإنما رواه - كما رواه الناس - عن موسى بن عقبة، عن عبد الله بن الفضل بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، عن عبد الرحمن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي بن أبي طالب، وهذا الإسناد لا يأتي به إلا حافظ، مما يدل على أنَّه حفظ الحديث، وضبط إسناده.
ج - وابن أبي الزناد إنما يروي عن أبيه عن الأعرج، ليس فيه بينه وبين الأعرج سوى رجل واحد [وقد علق له البخاري في صحيحه ثلاث متابعات بهذا الإسناد. انظر: تحفة الأشراف (٩/ ٥٧٦/ ١٣٧٨٥ - ١٣٧٨٧ - ط دار الغرب)]، وهذا إسناد نازل بالنسبة لابن أبي الزناد بينه وبين الأعرج فيه رجلان، ونزوله في هذا الإسناد دليل على ضبطه للحديث، وحفظه له؛ فلا تُستغرب حينئذٍ زيادتُه في متنه.
د - والرواة عن ابن أبي الزناد لم يختلفوا عليه، لا في إسناده، ولا في متنه، وإنما وقع في المتن اختصار من بعض الرواة، لموضع الحاجة، وما وقع من زيادةٍ فمحتملةٌ، وطول متن الحديث مع عدم الاختلاف عليه فيه اختلافًا مؤثرًا: دليل على حفظه له، وضبطه إياه، والله أعلم.
هـ - وهذا الحديث قد رواه عن ابن أبي الزناد أهل المدينة وغيرهم، ورواه عنه من أهل بغداد: سليمان بن داود الهاشمي، وقد كان ثبتًا في ابن أبي الزناد، وأما ابن وهب فقد كان عالمًا بحديث أهل المدينة [صحيح ابن خزيمة (٨٢٩)].
وقد سقت هذه الدلائل ردًّا على من ضعَّف هذا الحديث بابن أبي الزناد، والصواب أن في حديثه تفصيلًا: فإن حديثه بالمدينة: صحيح، وما حدث ببغداد أفسده البغداديون؛ إلا ما كان من رواية سليمان بن داود الهاشمي؛ فأحاديثه عنه حسان [انظر ما تقدم تحت الحديث رقم (١٤٨)].
قال ابن المديني: "ما حدث بالمدينة فهو صحيح، وما حدث ببغداد أفسده البغداديون، ورأيت عبد الرحمن بن مهدي يخط على أحاديثه، وكان يقول في حديثه عن مشيختهم: ولقَّنه البغداديون عن فقهائهم، عدَّهم: فلان وفلان وفلان".
وقال عمرو بن علي الفلاس: "فيه ضعف، فما حدث بالمدينة أصح مما حدث ببغداد، كان عبد الرحمن يخط على حديثه".
وقال يعقوب بن شيبة: "ثقة صدوق، وفي حديثه ضعف، سمعت علي بن المديني