وقال ابن الملقن في البدر المنير (٣/ ٤٩٢): "حديث ضعيف".
وسيأتي في بقية كلام الأئمة ما يبين علته، وبذا يظهر أن تحسين الترمذي له إنما هو على أصله، وأنه من قسم الضعيف عنده، وقد سبق أن ذكرت ذلك مرارًا، فإن تحسين الترمذي للحديث ليس دليلًا على ثبوت الحديث عنده، وإنما الأصل فيه أنه داخل في قسم الضعيف حتى يأتي دليل على تقويته، وهو كما قال الذهبي في الميزان (٤/ ٤١٦): "فلا يغتر بتحسين الترمذي، فعند المحاققة غالبها ضعاف".
ولو كان ثابتًا صحيحًا عند الترمذي لقال:"حديث حسن صحيح"، أو قال:"حديث صحيح"، لا سيما وهذا الحديث رجاله ثقات، رجال الشيخين عدا عاصم بن كليب؛ فمن رجال مسلم، فما الذي يجعل الترمذي يعدل عن تصحيحه إلى تحسينه؛ إلا وهو يريد بيان ضعفه عنده، وعدم ثبوته، وهو -كما قلت- على أصله الذي أصَّله في الحديث الحسن عنده، والله أعلم.
وأما تصحيح ابن حزم له، فهو كما قال ابن رجب في الفتح (١/ ٣٦٢) تعليقًا على من أخطأ وخالف الأئمة فصحح حديث أبي إسحاق: "كان ينام جنبًا من غير أن يمس ماءً": "وأما الفقهاء المتأخرون فكثير منهم نظر إلى ثقة رجاله، فظن صحته وهؤلاء يظنون أن كل حديث رواه ثقة فهو صحيح، ولا يتفطنون لدقائق علم علل الحديث".
وكما قال ابن القيم عن تصحيح ابن حزم في كتابه الفروسية (١٨٦): "قالوا: وأما تصحيح أبي محمد بن حزم له، فما أجدره بظاهريته، وعدم التفاته إلى العلل والقرائن التي تمنع ثبوت الحديث، بتصحيح مثل هذا الحديث وما هو دونه في الشذوذ والنكارة، فتصحيحه للأحاديث المعلولة وإنكاره لتعليلها نظير إنكاره للمعاني والمناسابات والأقيسة التي يستوي فيها الأصل والفرع من كل وجه، والرجل يصحِّح ما أجمع أهل الحديث على ضعفه، وهذا بيِّنٌ في كتبه لمن تأمله".
قلت: وهذا الحديث حديث شاذ مردود، والصواب فيه: ما رواه عبد الله بن إدريس، عن عاصم بن كليب، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن علقمة، قال: قال عبد الله: علَّمنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاةَ، فكبر ورفع يديه، فلما ركع طبَّق يديه بين ركبتيه.
قال: فبلغ ذلك سعدًا، فقال: صدق أخي، قد كنا نفعلُ هذا، ثم أُمِرْنا بهذا؛ يعني: الإمساكَ على الركبتين [الحديث السابق، قبل هذا، وهو حديث صحيح].
وقد سيق هذا الحديث لبيان نسخ التطبيق، وذِكرُ الرفعِ فيه عند الافتتاح لا يعني الاقتصار على الرفع في هذا الموضع وحده، وإنما سيق عَرَضًا لا لبيان مواضع رفع اليدين في الصلاة، وإثباتُ موضعٍ منها لا يعني نفي ما عداها، لا سيما والأحاديث التي أثبتت زيادة الرفع في المواضع الثلاثة الأخرى أحاديث صحيحة ثابتة، وما جاء فيها من زيادةٍ يلزم قبولها، إذ إن راوي الزيادة قد أخبر بما شاهد وعاين، بخلاف من لم يروها، قال الإمام الشافعي: "والقول قول الذي قال: رأيته فعل؛ لأنه شاهد، ولا حجة في قول الذي