بالدعاء دون المأمومين، خلاف الخبر غير الثابت المروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه قد خانهم إذا خص نفسه بالدعاء دونهم"، ثم أخرج حديث أبي هريرة المتقق عليه [البخاري (٧٤٤)، مسلم (٥٩٨)، ابن خزيمة (١٥٧٩ و ١٦٣٠)]، في دعاء الاستفتاح "اللَّهُمَّ باعد بيني وبين خطاياي"، واستشهد أيضًا بحديث علي بن أبي طالب في الافتتاح: "وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض ... " [مسلم (٧٧١)، ابن خزيمة (٤٦٢ و ١٦٣١)]، وفي حديث علي هذا: دعاء الركوع والسجود، وما يقال بعد التشهد، وقبل التسليم، وكلها بالإفراد والخصوصية، وهذا باب واسع كبير، كله يرد هذا الحديث الذي تفرد به يزيد بن شريح هذا.
وقال ابن المنذر في الأوسط (٤/ ٢٣٦) بعد أن ترجم للمسألة بقوله: "ذكر الإمام يخص نفسه بالدعاء دون القوم"، قال: "ثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول إذا كبر في الصلاة وسكت هنيهة قبل القراءة:"اللَّهُمَّ باعد بيني وبين خطيئتي، كما باعدت ببن المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد"، وبهذا نقول.
وقد روينا عن غير واحد أنهم كرهوا ذلك، فممن روينا عنه أنه كره ذلك: عمر بن الخطاب، وابن مسعود، وليس يثبت عن واحد منهما ما رُوي عنه ... [ثم ذكر من قال به، ثم قال:] والشيء إذا صح [و] ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - اقتدي به، ووجب القول به" [وانظر: طبقات الشافعية الكبرى (٣/ ١٠٤)].
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى (٢٣/ ١١٦ - ١١٩) عن هذا الحديث ومعناه وما يعارضه؟ فأجاب: "الحمد لله رب العالمين، قد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة؟ ... [فذكر الحديث ثم قال:] فهذا حديث صحيح، صريح في أنه دعا لنفسه خاصة وكان إمامًا، وكذلك حديث علي في الاستفتاح ... [ثم ساقه مع آخر، ثم قال:] وجميع هذه الأحاديث المأثورة في دعائه بعد التشهد من فعله، ومن أمره، لم ينقل فيها إلا لفظ الإفراد ... [ثم استشهد بأحاديث أخرى، ثم قال:] فهذه الأحاديث في الصحاح والسنن تدل على أن الإمام يدعو في هذه الأمكنة بصيغة الإفراد ... ، وإذا عُرِف ذلك تبين أن الحديث المذكور -إن صح- فالمراد به الدعاء الذي يؤمِّن عليه المأموم -كدعاء القنوت-، فإن المأموم إذا أمَّن كان داعيًا، وإذا كان المأموم مؤَمِّنًا على دعاء الإمام فيدعو بصيغة الجمع، كما في دعاء الفاتحة في قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦)} [الفاتحة: ٦]، فإن المأموم إنما أمَّن لاعتقاده أن الإمام يدعو لهما جميعًا، فإن لم يفعل فقد خان الإمام المأموم.
فأما المواضع التي يدعو كل إنسان فيها لنفسه، كالاستفتاح وما بعد التشهد ونحو ذلك، فكما أن المأموم يدعو لنفسه، فالإمام يدعو لنفسه ... ، وهذا الحديث لو كان صحيحًا صريحًا معارضًا للأحاديث المستفيضة المتواترة، ولعمل الأمة والأئمة؛ لم يلتفت