للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثم قال ابن عبد البر: "المحفوظ في حديث يزيد بن أبي زياد عن ابن أبي ليلى عن البراء: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا افتتح الصلاة رفع يديه في أول مرة، وقال بعضهم فيه: مرة واحدة، وأما قول من قال فيه: ثم لا يعود؛ فخطأ عند أهل الحديث".

قلت: لا يعرف تقييد الرفع في حديث البراء بالمرة الأولى، وإنما يروى هذا من حديث ابن مسعود المتقدم، وهو شاذ غير محفوظ.

وأما من حديث البراء: فإن لفظة: في أول تكبيرة: فإنها منكرة من حديث شعبة، وأما لفظة: مرة واحدة: فإنها من أوهام وتخليط ابن أبي ليلى، وأما لفظة: ثم لا يعود: فإنها مدرجة في الحديث، أدرجها يزيد بعدما تلقنها من أهل الكوفة، وأما المحفوظ من حديث البراء فسيأتي بيانه في نهاية هذه النقول.

وقال الخطيب في المدرج (١/ ٣٩٤): "ذِكرُ ترك العود إلى الرفع: ليس بثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. فكان يزيد بن أبي زياد يروي هذا الحديث قديمًا ولا يذكره، ثم تغير وساء حفظه، فلقَّنه الكوفيون ذلك فتلقَّنه، ووصله بمتن الحديث.

وقد روى سفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج، وهشيم بن بشير، وأسباط بن محمد، وخالد بن عبد الله الطحان، وغيرهم من الحفاظ هذا الحديث عن يزيد بن أبي زياد، وليس فيه ترك العود إلى الرفع، وكانوا سمعوه منه قديمًا قبل أن زاد فيه ما لقنه إياه الكوفيون من ترك العود إلى الرفع".

وقال البغوي في شرح السُّنَّة (٣/ ٢٤): "وأحاديث رفع اليدين في المواضع الأربع: أصح وأثبت، فاتباعها أولى".

وقال الحازمي عند ذكر وجوه الترجيح: "الوجه التاسع عشر: أن يكون أحد الراويين لم يضطرب لفظُه، والآخر قد اضطرب لفظُه، فيُرجَّح خبر من لم يضطرب لفظه؛ لأنه يدل على حفظه وضبطه، وسوء حفظ صاحبه.

مثاله: حديث ابن عمر: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يرفع يديه إذا كبر، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، فهذا حديث يُروى عن ابن عمر من غير وجهٍ، وممن رواه: الزهري عن سالم، ولم يُختلَف عليه فيه، ولا اضطرب في متنه، فكان أولى بالمصير إليه من حديث البراء بن عازب: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا افتتح الصلاة، رفع يديه إلى قريبٍ من أذنيه، ثم لا يعود؛ لأن هذا الحديث يُعرف بيزيد بن أبي زياد، وقد اضطرب فيه، قال سفيان بن عيينة: كان يزيد يروي هذا الحديث ولا يذكر فيه: ثم لا يعود، ثم دخلتُ الكوفةَ، فرأيتُ يزيد بن أبي زياد يرويه، وقد زاد فيه: ثم لا يعود، وكان قد لُقِّن فتلقَّن" [الاعتبار (١/ ١٤١)].

وقال النووي في المجموع (٣/ ٣٥٩): "جواب أئمة الحديث وحفاظهم: أنه حديث ضعيف باتفاقهم، وممن نص على تضعيفه: سفيان بن عيينة، والشافعي، وعبد الله بن الزبير الحميدي شيخ البخاري، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وأبو سعيد عثمان بن سعيد الدارمي، والبخاري، وغيرهم من المتقدمين، وهؤلاء أركان الحديث وأئمة الإسلام فيه"؛

<<  <  ج: ص:  >  >>