لم يمنعه من إقامة حدودها وصلى ضامًا بين وركيه فهذا يعيد في الوقت [يعني: في تأويل قول مالك]، وذهب الشافعي والحنفي في مثل هذا إلى أنه لا إعادة عليه، وظاهر قول مالك في هذا استحباب الإعادة، وكلهم مجمعون: أن من بلغ به ما لا يعقل به صلاته ولا يضبط حدودها أنه لا تجزئه، ولا يحل له الدخول كذلك في الصلاة، وأنه يقطع الصلاة إن أصابه ذلك فيها" [وانظر: المفهم للقرطبي (٢/ ١٦٥)].
وقال ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام (١/ ١٧٩ - ١٨٠): "ومدافعة الأخبثين: إما أن تؤدي إلى الأخلال بركن أو شرط، أو لا، فإن أدى إلى ذلك: امتنع دخول الصلاة معه، وإن دخل واختل الركن أو الشرط: فسدت بذلك الاختلال، وإن لم يؤدِّ إلى ذلك: فالمشهور فيه الكراهة".
ثم نقل كلام القاضي عياض ثم تعقبه بقوله: "فيه بعض إجمال، والتحقيق: ما أشرنا إليه أولًا ... ، وأما ما ذكر من التأويل: أنه لا يدري كيف صلى، أو ما قال القاضي عياض: أن من بلغ به ما لا يعقل صلاته، فإن أريد بذلك: الشك في شيء من الأركان، فحكمه حكم من شك في ذلك بغير هذا السبب، وهو البناء على اليقين، وإن أريد به: أنه يُذهب الخشوع بالكلية: فحكمه حكم من صلى بغير خشوع، ومذهب جمهور الأمة: أن ذلك لا يبطل الصلاة، وقول القاضي: ولا يضبط حدودها، إن أريد به: أنه لا يفعلها كما وجب عليه، فهو ما ذكرناه مبينًا، وإن أريد به أنه لا يستحضرها، فإن أوقع ذلك شكًا في فعلها، فحكمه حكم الشاك في الإتيان بالركن أو الإخلال بالشرط من غير هذه الجهة، وإن أريد به غير ذلك: من ذهاب الخشوع: فقد بيناه أيضًا".
ونقل ابن الملقن كلام ابن دقيق العيد وزاد عليه في الإعلام (٢/ ٣٠٣ - ٣٠٥) ثم قال: "فتخلص أن لمدافع الأخبثين أربعة أحوال:
أحدها: أن يكون بحيث لا يعقل بسببها الصلاة، وضبط حدودها، فلا تحل له الصلاة، ولا الدخول فيها إجماعًا.
ثانيها: أن يكون بحيث يعقلها مع ذهاب خشوعه بالكلية.
ثالثها: أن يكون بحيث يؤدي إلى الإخلال بركن أو شرط.
رابعها: أن يكون بحيث يؤدي إلى الشك في شيء من الأركان.
وقد عرفت حكم ذلك".
وقال ابن قدامة في المغني (١/ ٣٦٤): "فهذان من الأعذار التي يعذر بها في ترك الجماعة والجمعة لعموم اللفظ؛ فإن قوله:"وأقيمت الصلاة" عام في كل صلاة، وقوله:"لا صلاة" عام أيضًا".
وفي كشاف القناع (١/ ٣٧١)، والإنصاف (٢/ ٩٢) وغيرها: أنه إنما يكره ابتداء الصلاة وهو حاقن أو حاقب أو حازق أو تائق إلى طعام أو شراب أو جماع، لا من طرأ عليه ذلك وهو في الصلاة فلا تكره.