للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يُعرف عن البخاري تضعيفٌ صريح لعمرو بن مالك النكري، وإنما الذي ضعَّفه هو ابن عدي، حيث قال عنه في الترجمة السابقة: "يحدث عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قدر عشرة أحاديث غير محفوظة"، أو يكون ابن حجر أخذ هذا القول من قول ابن عدي: "إلا أنه ضعيف عنده" [كذا في بعض النسخ، وكذا نقلها ابن حجر في التهذيب]؛ يعني: أن النكري ضعيف عند البخاري، هكذا يمكن فهمها بعيدًا عن السياق، لكن السياق يأبى هذا الفهم، فإن ابن عدي يتكلم عن أبي الجوزاء، ويريد أن يبين أن مراد البخاري بقوله: "في إسناده نظر" عدم ثبوت السماع، لا أن أبا الجوزاء ضعيف عند البخاري، والله أعلم.

وقال مغلطاي في إكماله (٢/ ٢٩٣): "لأن البخاري لم يقل هذا تضعيفًا له [يعني: لأبي الجوزاء]، إذ لو كان كذلك لما ساغ له إخراج حديثه؛ لأنا لم نعهد منه تضعيفًا لمن يخرج حديثه، وإنما قال هذا لأجل السند الذي ذكره؛ لأن فيه عمرًا النكري، وهو ضعيف، وكذا جعفر، ... ".

قلت: هكذا ضعَّف مغلطاي عمرو بن مالك النكري، والمنقول عن البخاري هو تليين جعفر بن سليمان الضبعي، ولم أر له نقلًا في تضعيف عمرو بن مالك النكري، والله أعلم.

وخلاصة هذا البحث: أن قول البخاري عن هذا السند بأن فيه نظرًا، هو تضعيف لهذا الخبر، لكن على من تُحمل التبعة، ومن هو الراوي الذي أراد البخاري إلصاق الوهم به في هذا الخبر؟ فليس معنا دليل ظاهر على أن البخاري أراد به توهيم النكري دون الضبعي، والله أعلم.

نرجع بعد ذلك لسرد أقوال الأئمة في عمرو بن مالك النكري:

فقد ذكره ابن حبان في ثقاته، وقال: "يُغرِب، ويُخطئ"، زاد مغلطاي في نقله عن الثقات: "يُعتبر حديثه من غير رواية ابنه عنه" [الثقات (٨/ ٤٨٧)، إكمال مغلطاي (١٠/ ٢٥١)].

ووثقه الذهبي [الميزان (٣/ ٢٨٦)، المغني (٢/ ٤٨٨) وقال مرة: "صدوق" [تاريخ الإسلام (٨/ ١٩٤)]، وقال ابن حجر في التقريب (٤٧٢): "صدوق، له أوهام".

وصحح له ابن خزيمة (١٦٩٦ و ١٦٩٧)، وابن حبان (٤٠١ و ٢٩٦٢).

والأقرب أن ابن حبان إنما انتقى من حديثه ما صح عنده، وإلا فإنه لما أورد ابنه يحيى [وهو ضعيف، رماه حماد بن زيد بالكذب. التهذيب (٤/ ٣٧٩)]، لما أورده في المجروحين (٣/ ١١٤)، قال: "كان منكر الرواية عن أبيه، ويحتمل أن يكون السبب في ذلك منه، أو من أبيه، أو منهما معًا"، وهذا يدل على أنه لم يكن يبرئ ساحة عمرو، وأنه لم يكن عنده ثقة يعتمد عليه، لذا قال عنه في الثقات: "يُغرِب، وُيخطئ"، وقوله هذا أقرب إلى الصواب من قوله عنه في المشاهير (١٢٢٣): "وقعت المناكير في حديثه من رواية ابنه عنه، وهو في نفسه صدوق اللهجة".

وصحح له أيضًا الحاكم في المستدرك (٢/ ٣٥٣ و ٤٢٧) [وانظر: التاريخ الكبير (٦/ ٣٧١)، الجرح والتعديل (٦/ ٢٥٩)، الإكمال لابن ماكولا (١/ ٤٥١)، بيان الوهم (٤/ ٦٦٥/ ٢٢٢٥)، وقال: "لا تُعرف حاله"، التهذيب (٣/ ٣٠١)].

<<  <  ج: ص:  >  >>