المحفوظ عن شعبة، وعن قتادة، وأما قول من قال: فلم يجهروا بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، وما كان في معناه من عدم الجهر بالبسملة، فهو غير محفوظ من حديث قتادة عن أنس؛ هذا الذي ذهبوا إليه: قول ضعيف.
فإن الذين رووا الحديث عن شعبة بلفظ عدم الجهر بالبسملة هم من ثقات أصحاب شعبة، لا سيما وفيهم غندر، والذي كان كتابه حَكَمًا بين أصحاب شعبة إذا اختلفوا عليه، وكان قد لزمه عشرين سنة، وتابعه عليه: حجاج بن محمد، ومعاذ بن معاذ، وبشر بن عمر، ومحمد بن بكر البرساني، وآدم بن أبي إياس، ووكيع بن الجراح، وشاذان الأسود بن عامر، وأبو النضر هاشم بن القاسم، وعلي بن الجعد، وعبد الرحمن بن غزوان، وبدل بن المحبر، وعقبة بن خالد، وعبيد الله بن موسى، وزيد بن الحباب، وعبد الرحمن بن زياد الرصاصي، فهؤلاء ستة عشر رجلًا من ثقات أصحاب شعبة -فيما وقفت عليه-، وهم جمهور من روى هذا الحديث عن شعبة.
ولم ينفرد بها شعبة [وهو الثقة الحافظ الحجة، الثبت المتقن] عن قتادة، بل تابعه عليها: ابن أبي عروبة [في رواية عنه]، والأوزاعي، وشيبان النحوي، وحجاج الباهلي.
ولم ينفرد بها قتادة، فقد روى الأوزاعي، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، قال: سمعت أنس بن مالك، يقول: صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان، فكلهم يفتتح القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، لا يقرؤون:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في أول السورة، ولا في آخرها.
وروى أبو حمزة السكري، عن منصور بن زاذان، عن أنس بن مالك، قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلم يُسمعنا قراءة:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، وصلى بنا أبو بكر وعمر فلم نسمعها منهما.
وهذا وإن كان منقطعًا؛ إلا أنه صالح في المتابعات.
وقد اعترض الشافعية على هذه الرواية والتي جاء فيها التصريح بعدم الجهر بالبسملة، فقالوا: إنما رواها من رواها بالمعنى، خلافًا للفظ المحفوظ.
قال البيهقي في الخلافيات (٢/ ٥٨ - مختصره): "فالأشبه والله أعلم: أن من رواه على اللفظ الذي اتفق البخاري ومسلم على صحته أدَّاه على اللفظ الذي سمعه، ومن رواه على اللفظ الذي تفرد به سلم بإخراجه أدَّاه على المعنى الذي وقع له، فقد روينا عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - بأسانيد عدة في القراءة بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، يشهد القلب أن القول قول من رواه على اللفظة الأولى، وفي ذلك جمع بين الأخبار وقبولها دون إسقاط بعضها"، ثم احتج أيضًا برواية أبي مسلمة عن أنس.
وقال النووي في المجموع (٣/ ٢٩٨): "وأما الرواية التي في مسلم: فلم أسمع أحدًا منهم يقرأ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، فقال أصحابنا: هي رواية للفظ الأول بالمعنى الذي فهمه الراوي، عبر عنه على قدر فهمه فأخطأ، ولو بلَّغ الحديث بلفظه الأول لأصاب، فإن