وإنما التبعة فيما قاله البخاري إنما هي على جعفر بن سليمان الضبعي، أو على شيخه عمرو بن مالك النُّكْري، والأرجح أنها على الأول؛ فقد رواه عارم محمد بن الفضل، ويونس بن محمد المؤدب، وسليمان بن حرب [وهم ثقات حفاظ]:
قالوا: حدثنا حماد بن زيد، عن عمرو بن مالك، قال: سمعت أبا الجوزاء يقول: جاورت ابن عباس ثنتي عشرة سنة [في داره]، وما من القرآن آية إلا وقد سألته عنها.
زاد سليمان بن حرب: وكان رسولي يختلف إلى أم المؤمنين غدوة وعشية، فما سمعت من أحد من العلماء ولا سمعت أن الله تعالى يقول لذنب: إني لا أغفره؛ إلا بالشرك به.
أخرجه ابن سعد في الطبقات (٧/ ٢٢٤)، وعبد الله بن أحمد في العلل ومعرفة الرجال (١/ ٤٣/ ١١٨١) و (٢/ ٣٠٥/ ٢٣٥٦)، وأبو نعيم في الحلية (٣/ ٧٩).
فالمقصود إذًا من قول البخاري:"في إسناده نظر": عدم إثبات سماع أبي الجوزاء من عائشة، قال ابن عدي في الكامل (١/ ٤١١)(٢/ ١٠٨ - ط العلمية) بعد أن نقل قول البخاري: "وأوس بن عبد الله أبو الجوزاء هذا يحدث عنه عمرو بن مالك النكري، يحدث عن أبي الجوزاء هذا أيضًا عن ابن عباس قدر عشرة أحاديث غير محفوظة، وأبو الجوزاء روى عن الصحابة: ابن عباس، وعائشة، وابن مسعود، وغيرهم، وأرجو أنه لا بأس به، ولا يصحَّح روايته عنهم أنه سمع منهم، وقول البخاري: في إسناده نظر؛ [يريد] أنه لم يسمع من مثل ابن مسعود وعائشة وغيرهما، لا أنه ضعيف عنده، وأحاديثه مستقيمة مستغنية عن أن أذكر منها شيئًا في هذا الموضع".
وما ذهب إليه ابن عدي من عدم ثبوت سماع أبي الجوزاء من عائشة: صحيح؛ إذ تؤيده رواية سليمان بن حرب؛ فإن أبا الجوزاء وإن كان معاصرًا لعائشة، مدركًا لها، إلا أنه كان يتحمل عنها بواسطة رسوله الذي كان يبعثه إليها، ورواية ابن طهمان التي ساقها رشيد الدين العطار في غرر الفوائد من طريق جعفر الفريابي على نفس هذا النسق، تؤكده وتدلل عليه في خصوص هذا الحديث، وبناءً على ذلك؛ يمكن أن يقال: إن مسلمًا حمل هذه الرواية على مطلق الاتصال من جهة ثبوت الواسطة بينه وبين عائشة مع كونها مبهمة، وأنه اعتمد على توثيق أبي الجوزاء لرسوله؛ إذ يبعد أن يتخذ رسولًا غير أمين في النقل، أو أن هذه الرواية خفيت على مسلم، فأعمل في الرواية مطلق الاتصال وإن لم يثبت السماع؛ اكتفاء بالمعاصرة وإمكان اللقاء، والله أعلم.
وفي كلام ابن عدي هذا أيضًا تفسير قول البخاري، وأنه إنما عنى به عدم سماع أبي الجوزاء من عائشة، وأن البخاري لم يقصد بهذا القول تضعيف أبي الجوزاء، ثم ذهب ابن عدي إلى أن أبا الجوزاء وإن كان لم يسمع من عائشة وغيرها؛ إلا أن أحاديثه مستقيمة، بخلاف ما رواه عنه الضعفاء، أو من تكلم فيهم مثل: عمرو بن مالك النكري، وقد عاد ابنُ عدي على عمرو بن مالك النكري بالتضعيف، مبينًا كون البخاري لم يرِد تضعيف أبي