للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الجوزاء؛ إذ كيف يضعِّفه مع استقامة أحاديثه، وإخراج البخاري نفسه له في الصحيح.

فقد أخرج البخاري في صحيحه، في (٦٥) كتاب التفسير، من سورة النجم، باب: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩)} [النجم: ١٩]، (٤٨٥٩)، قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم: حدثنا أبو الأشهب: حدثنا أبو الجوزاء، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، في قوله: {اللَّاتَ وَالْعُزَّى}: كان اللاتُ رجلًا يَلُتُّ سَوِيقَ الْحَاجِّ.

وهذه الرواية تبين أن البخاري إنما أنكر من الرواية التي أوردها في تاريخه سماع أبي الجوزاء من عائشة وحدها، لا من ابن عباس، حيث أخرج لأبي الجوزاء عن ابن عباس في صحيحه، والله أعلم.

وقد تكلمت حول هذه المسألة [وذلك تحت الحديث السابق برقم (٧٥٧)، في آخر البحث]، وحققت القول في عمرو بن مالك النكري، وأنه كما قال ابن حجر: "صدوق، له أوهام"، والله أعلم.

وأما ما جاء عند عبد الرزاق (٢/ ٧٢/ ٢٥٤٠) من تصريح أبي الجوزاء بالسماع من عائشة، فلا يصح؛ إذ راويه عن حسين المعلم: عثمان بن مطر، وقد ضعفوه، ومنهم من تركه، وعدَّه منكر الحديث [التهذيب (٣/ ٧٩)، الميزان (٣/ ٥٣)].

قال الزيلعي في نصب الراية (١/ ٣٣٤): "يكفينا أنه حديث أودعه مسلم صحيحه، وأبو الجوزاء اسمه أوس بن عبد الله الربعي: ثقة كبير، لا يُنكَر سماعه من عائشة، وقد احتج به الجماعة، وبديل بن ميسرة: تابعي صغير، مجمع على عدالته وثقته، وقد حدث بهذا الحديث عنه الأئمة الكبار، وتلقاه العلماء بالقبول، ولم يتكلم فيه أحد منهم".

وقال ابن الملقن في البدر المنير (٣/ ٤٥٥): "قلت: إدراكه لها ممكن؛ بل ورد مشافهته لها بالسؤال، لكن قال البخاري: في إسناده نظر".

قلت: سبق بيان عدم ثبوت هذه المشافهة، بل لم يسمع منها، كما قال ابن عدي وابن عبد البر.

وقال ابن حجر في التهذيب (١/ ١٩٤) بعد رواية ابن طهمان: "فهذا ظاهره أنه لم يشافهها، لكن لا مانع من جواز كونه توجه إليها بعد ذلك فشافهها على مذهب مسلم في إمكان اللقاء، والله أعلم"، قلت: وهذا احتمال عقلي محض، يعارضه ما ثبت عن أبي الجوزاء أنه إنما كان يحمل عن عائشة ما يأتيه به رسوله من عندها، وقد ثبتت الواسطة في هذا الحديث بعينه، ولم يثبت عندنا السماع ولو مرة واحدة، والله أعلم.

• يبقى أن يقال: إن حديث أبي الجوزاء عن عائشة وإن لم يسمعه منها؛ حديث مستقيم، بحكم ابن عدي على مطلق أحاديث أبي الجوزاء بالاستقامة، وبتوثيق أبي حاتم وأبي زرعة والعجلي وابن حبان والسمعاني لأبي الجوزاء [التهذيب (١/ ١٩٤)، الجرح والتعديل (٢/ ٣٠٤)، الأنساب (٥/ ٢٥٣)]، مما يقتضي استقامة حديثه عندهم، مع ما علم من تشدد أبي حاتم في الرجال، وبتصحيح مسلم لحديثه هذا عن عائشة، وقد وافق مسلمًا

<<  <  ج: ص:  >  >>