وأما سعيد بن أبي هلال؛ فإنه: مصري، نشأ بالمدينة، ثم رجع إلى مصر، وهو وإن وثقه: ابن سعد والعجلي وابن خزيمة والدارقطني وابن عبد البر والبيهقي والخطيب، وقال أبو حاتم:"لا بأس به"، وذكره ابن حبان في الثقات، واحتج به الشيخان، لكن قال الساجي:"صدوق، كان أحمد يقول: ما أدري أي شيء يخلط في الأحاديث".
وقال أبو داود:"سمعت أحمد يقول: سعيد بن أبي هلال سمعوا منه بمصر القدماء، فخرج - زعموا - إلى المدينة فجاءهم بعدل - أو قال: بوسق - كُتُبٍ كتبت عن الصغار، وعن كلٍّ، وكان الليث بن سعد سمع منه، ثم شك في بعضه، فجعل بينه وبين سعيد خالدًا".
وقال البرذعي:"قال لي أبو زرعة: خالد بن يزيد المصري، وسعيد بن أبي هلال: صدوقان، وربما وقع في قلبي من حسن حديثهما، قال أبو حاتم: أخاف أن يكون بعضها مراسيل، عن ابن أبي فروة وابن سمعان"، قال ابن رجب:"يعني: مدلَّسة عنهما" [سؤالات أبي داود لأحمد (٢٥٤)، سؤالات البرذعي (٣٦١)، شرح علل الترمذي (٢/ ٨٦٧)، الفتح لابن رجب (٤/ ٣٦٧)، الميزان (٢/ ١٦٢)، التهذيب (٢/ ٤٨)، وانظر بعض أوهامه: علل الدارقطني (١٠/ ١٠/ ١٨١٩) و (١٢/ ٣٥/ ٢٣٧٩)].
وعليه: فإنه صدوق، تكلم فيه أحمد وأبو زرعة.
وشيخهما: معاذ بن عبد الله بن حُبيب الجهني المدني: صدوق، قليل الحديث، لم يُتَّفَق على توثيقه، فهو وإن وثقه في الجملة: ابن معين، وأبو داود، وابن حبان، لكن قال فيه الدارقطني:"ليس بذاك"، وجهله ابن حزم [التهذيب (٤/ ١٠٠)، سؤالات الحاكم (٤٩١)، إكمال مغلطاي (١١/ ٢٤٩)، اللسان (٨/ ٩٤)].
فإما أن يقال: رواية سعد أولى من رواية سعيد، فالمحفوظ: مرسل؛ وإما أن يقال: اضطرب فيه معاذ فرواه مرة موصولًا، ومرة مرسلًا.
فإن قلنا بالأول؛ فلأن سعدًا أولى بمعاذ من سعيد، حيث إن سعدًا ومعاذًا بلديان، وأهل بلد الرجل أولى بحديثه من غيرهم، وابن أبي هلال مصري المولد والسكنى، وإن كان نشأ بالمدينة، فلا تُقدم روايتة على رواية أهل المدينة، لا سيما والإمام أحمد كان في نفسه شيء من روايته عن أهل المدينة.
كذلك فإن حديث ابن أبي هلال: حديث غريب، تفرد به أهل مصر عن أهل المدينة، بينما حديث سعد: حديث مشهور، رواه عن أهل المدينة المدنيون والعراقيون، والحديث الَّذي اشتهر في بلده وخارجها أولى من الحديث الَّذي لم يعرف إلا خارج بلده، وتفرد به الغرباء، وكان غريبًا فردًا.
• فإن فرضنا جدلًا: تقديم رواية ابن أبي هلال على رواية سعد، لكون الأول أوثق في الجملة؛ فيقال:
إن رواية ابن أبي هلال، عن معاذ بن عبد الله الجهني؛ أن رجلًا من جهينة أخبره؛