تُرْحَمُونَ (٢٠٤)}، خاص واقع على ما سوى فاتحة الكتاب، وكذلك تأويل قوله:"وإذا قرأ فأنصتوا" بعد قراءة فاتحة الكتاب، واحتج بعضهم بحديث عبادة، وبأخبار رويت عن الصحابة، ... ، وممن مذهبه هذا المذهب: ابن عون، والأوزاعي، وأبو ثور، وغيره من أصحاب الشافعي".
ثم ختم ذلك بما اختاره لنفسه، فقال (٣/ ١١٠): "والذي به أقول: أن يقرأ المأموم في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة في كل ركعة، وفي الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب في كل ركعة، ويقرأ في الركعة الثالثة من المغرب، وفي الركعتين الأخريين من صلاة العشاء بفاتحة الكتاب في كل ركعة، فإن كان بحيث لا يسمع قراءة الإمام قرأ في الصبح وفي الركعتين الأوليين من صلاة المغرب، وفي الركعتين الأوليين من صلاة العشاء الأخيرة بفاتحة الكتاب وسورة في كل ركعة، وإن كان بحيث يسمع قراءة الإمام قرأ في الصبح، وفي الركعتين الأوليين من صلاة المغرب، والركعتين الأوليين من صلاة العشاء الآخرة بفاتحة الكتاب في حل ركعة من سكتات الإمام إن كانت للإمام سكتات يمكنه أن يقرأ فيها بفاتحة الكتاب، فإن بقيت عليه منها بقية قرأ بها عند وقفات الإمام، فإن بقيت منها قرأها إذا ركع الإمام، ولا أرى له أن يقرأ وهو يسمع قراءة الإمام، والذي يجب علينا إذا جاءنا خبران يمكن استعمالهما جميعًا أن نقول بهما ونستعملهما، وذلك أن نقول: لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب، إلا صلاةً أمر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - المأمومَ إذا جهر الإمام بقراءته أن يستمع لقراءته، فيكون فاعل ذلك مستعملًا للحديثين جميعًا، ولا يعدل عن هذا القول أحدٌ إلا عطَّل أحد الحديثين، والله أعلم".
قلت: وهذا القول هو الصواب، جمعًا بين الأدلة: من الكتاب، ومن السُّنَّة الصحيحة، ومن أقوال الصحابة، مع العلم بشذوذ هذه الزيادة في الحديث: "وإذا قرأ فأنصتوا"، وإنما العمدة على نص الكتاب في الأمر بالإنصات، وأما القراءة في السكتات، فإنما هما سكتتان، أولاهما لاستفتاح الصلاة، فليست موضعًا لقراءة الفاتحة، ومن فعل ذلك فقد خالف السنَّة، وأما الثانية فهي سكتة يسيرة جدًّا للفصل بين القراءة والركوع، أو للاستراحة، فلا تكفي لقراءة الفاتحة، فإن كان بعض الأئمة يسكت سكتة طويلة بعد الفاتحة مثلًا، فعندئذ لا بأس للمأموم أن يقرأ فيها بالفاتحة، وليس يصح حديث في القراءة في سكتات الإمام، والله أعلم.
• فإن قيل: قالوا: حديث أبي السائب عن أبي هريرة، وحديث عبادة بن الصامت يخصصان الآية:{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ}، فيقال: قال أبو داود في مسائله (٢٢٣): "سمعت أحمد، قيل له: إن فلانًا قال: قراءة فاتحة الكتاب -يعني: خلف الإمام- مخصوصٌ من قوله:{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ}، فقال: عمَّن يقول هذا؟! أجمع الناس أن هذه الآية في الصلاة" [وانظر في رد ذلك: كلام شيخ الإسلام ابن تيمية من مجموع الفتاوى (٢٣/ ٢٩٠ و ٣١٢)، وسيأتي نقل كلامه في آخر أحاديث الباب (٨٢٩)].