للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهو أحد قولي الشافعي، كان يقوله بالعراق، وهذا هو القول المختار عندنا".

وقال أيضًا (١١/ ٣٤): "وقال مالك: الأمر عندنا أنَّه لا يقرأ مع الإمام فيما جهر فيه الإمام بالقراءة، فهذا يدلك على أن هذا عمل موروث بالمدينة".

وقال (١١/ ٣٨): "لا يجوز لأحد أن يتشاغل عن الاستماع لقراءة إمامه والإنصات لا بأم القرآن ولا بغيرها، ولو جاز للمأموم أن يقرأ مع الإمام إذا جهر لم يكن لجهر الإمام بالقراءة معنى؛ لأنَّه إنما يجهر ليستمع له وينصت، وأم القرآن وغيرها في ذلك سواء، والله أعلم".

• وهناك معنى آخر، وهو أن الإنكار كان متوجهًا إلى رفع الصوت بالقرآن والجهر به من المأمومين [كما قال بذلك ابن حبان وغيره من الشافعية]، مما يترتب عليه التشويش على الإمام والمأموم على حدٍّ سواء، سواء أكان ذلك في الجهرية - كما في حديث ابن أكيمة عن أبي هريرة -، أو كان في السرية - كما في حديث عمران بن حصين -.

فيقال: يرد هذا التأويل قول الزهري بعده: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما جهر فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقراءة من الصلوات حين سمعوا ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي رواية: فاتعظ المسلمون بذلك، فلم يكونوا يقرؤون معه فيما جهر به، وفي رواية يونس بن يزيد عن الزهري: فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر فيه الإمام، وقرؤوا في أنفسهم سرًّا فيما لا يجهر فيه الإمام.

واستمع إلى قول شيخ الإسلام في توجيه كلام الزهري في هذا الحديث، إذ يقول أبو العباس بن تيمية: "وهذا إذا كان من كلام الزهري فهو من أدل الدلائل على أن الصحابة لم يكونوا يقرؤون في الجهر مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن الزهري من أعلم أهل زمانه أو أعلم أهل زمانه بالسُّنَّة، وقراءة الصحابة خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كانت مشروعة واجبة أو مستحبة تكون من الأحكام العامة التي يعرفها عامة الصحابة والتابعين لهم بإحسان، فيكون الزهري من أعلم الناس بها فلو لم يبينها لاستدل بذلك على انتفائها، فكيف إذا قطع الزهري بأن الصحابة لم يكونوا يقرؤون خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - الجهر" [مجموع الفتاوى (٢٣/ ٢٧٤)، وانظر أيضًا: (٢٣/ ٢٨٣ و ٢٨٤)].

• فإن قيل: يعارض هذا ما تقدم من حديث عبادة بن الصامت مرفوعًا: "لا تفعلوا إلا بأُم القرآن؛ فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها".

فيقال: قد تقدم كان ضعف هذا الحديث وعدم ثبوته، فلا يصلح مثله لمعارضة الصحيح، وإنما الَّذي صح من حديث عبادة هو العموم بغير استثناء: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"، وقد سبق كان أن هذا العموم مخصوص بالآية في الأمر بالإنصات لقراءة الإمام في الصلاة، وبحديث ابن أكيمة عن أبي هريرة: "ما لي أنازع القرآن"، فلم يستثن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه شيئًا من القرآن، وبتفسيره من كلام الزهري نقلًا عن عموم الصحابة، في انتهاء الناس عن القراءة فيما جهر فيه الإمام، والقراءة في أنفسهم سرًّا فيما لا يجهر فيه الإمام، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>