• ومن أقوال العلماء في الإقعاء:
قال مالك: "ما أدركت أحدًا من أهل العلم إلا وهو ينهي عن الإقعاء ويكرهه" [المدونة (١/ ٧٣)].
قلت: ويحمل هذا على الإقعاء المكروه، سواء قلنا فيه بجعل الأليتين على العقبين في جلسة التشهد، أو قلنا بقول اللغويين في إقعاء الكلب أو السبع، وهذا لا رخصة فيه، لكن ليس لدينا في هذا الأخير دليل صحيح من السُّنَّة، إذ كل ما ورد في تقييد الإقعاء بإقعاء الكلب أو القرد أو الذئب لا يصح منه شيء؛ إلا إذا نظرنا إلى نفس الإطلاق في اللغة من حيث هو إقعاء، فإن الإقعاء لا يستعمل في وصف الإنسان، وإنما يستعمل مع السباع، والله أعلم.
قال أبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث (١/ ٢٦٦): "قال أبو عبيدة [يعني: معمر بن المثنى]: الإقعاء جلوس الرجل على أليتيه ناصبًا فخذيه، مثل إقعاء الكلب والسبع.
قال أبو عبيد: وأما تفسير أصحاب الحديث فإنهم يجعلون الإقعاء: أن يضع أليتيه على عقبيه بين السجدتين، وهذا عندي هو الحديث الذي فيه: عقب الشيطان، الذي جاء فيه النهي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو عن عمر، أنَّه نهى عن عقب الشيطان.
قال أبو عبيد: وتفسير أبي عبيدة في الإقعاء أشبه بالمعنى؛ لأنَّ الكلب إنما يقعي كما قال، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه أكل مقعيًا، فهذا يبين لك أن الإقعاء هو هذا، وعليه تأويل كلام العرب" [ونقله ابن المنذر في الأوسط (٣/ ١٩٢)].
وقال في موضع آخر (٤/ ٦٢): "وأما الإقعاء فهو الذي جاء فيه النهي عن النبي عليه السلام أن يُفعل في الصلاة؛ فقد اختلف الناس فيه:
فقال أبو عبيدة: وهو أن يلصق أليتيه بالأرض وينصب ساقيه ويضع يديه بالأرض.
وأما تفسير الفقهاء: فهو أن يضع أليتيه على عقبيه بين السجدتين، شبيه بما يروى عن العبادلة: عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير - رضي الله عنهم -.
قال أبو عبيد: وقول أبي عبيدة أشبه بكلام العرب، وهو معروف عند العرب، وذلك بين في بعض الحديث؛ أنَّه نهى أن يقعي الرجل كما يقعي السبع، ويقال: كما يقعي الكلب، فليس الإقعاء في السباع إلا كما قال أبو عبيدة.
قال أبو عبيد: وقد روي عن النبي عليه السلام أنَّه أكل مرةً مقعيًا، فكيف يمكن أن يكون فعل هذا وهو واضعٌ أليتيه على عقبيه، وأما الحديث الآخر أنَّه نهى عن عقب الشيطان في الصلاة؛ فإنَّه أن يضع الرجل أليتيه على عقبيه في الصلاة بين السجدتين، وهو الذي يجعله بعض الناس الإقعاء" [نقل بعضه الأزهري في تهذيب اللغة (٣/ ٢٢)].
وقال إسحاق بن منصور في مسائله لأحمد وإسحاق (٢٢٧): "قلت: ما الإقعاء؟ قال: أن يضع أليتيه على عقبيه، وأهل مكة يفعلون ذلك، وبعضهم يقول: أن يقوم على