الفقه من كمال الضبط، ولأن الفقيه أعرف بمقتضيات الألفاظ [انظر: البحر المحيط للزركشي (٤/ ٤٤٦)]، ومما يدلّ على أن الوزان لم يضبط هذه الرواية تسويته الأركان الأربعة بالقيام وبالجلسة ما بين التسليم والانصراف.
الثالث: قلة مرويات هلال الوزان إذا قورنت بمرويات الحكم، فالحكم أوسع رواية، وأحفظ وأضبط، وأفقه لما يروي، فكيف تقبل زيادة من هو أدنى في الحفظ والفقه وسعة الرواية، لا سيما مع كون هذه الزيادة تخالف رواية الفقيه.
الرابع: أن رواية الحكم قد اشتملت على قصة ترد زيادة الوزان، ففي رواية وهب بن جرير عن شعبة عند الطحاوي في المشكل (٥٠٤١): فكان أبو عبيدة يطيل الركوع، وإذا رفع أطال القيام قدر ما يقول هذا الكلام: اللَّهُمَّ ربنا لك الحمد، ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد.
وفي رواية معاذ بن معاذ عند مسلم: فإذا رفع رأسه من الركوع قام قدر ما أقول: اللَّهُمَّ ربنا لك الحمد، ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد.
قال الطحاوي:"فعقلنا بذلك أن إطالة أبي عبيدة التي روى البراء لابن أبي ليلى فيها ما رواه له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث إنما كان مقدارها: اللَّهُمَّ ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، وكان ما سوى ذلك في صلاته من الركوع ومن السجود ومن الجلوس بين السجدتين مقدار كل جنس منها هذا المقدار، سوى اللازم في الجلوس من التشهد الذي قد علمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس".
قلت: يريد بذلك أن المقدار الذي كان يمكثه النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل ركن من هذه الأركان الأربعة: الركوع، والرفع منه، والسجود، والرفع منه، كل ذلك كان بمقدار الذكر المعهود في الرفع من الركوع المروي عن أبي سعيد الخدري، وهذا الذكر لا يستغرق إلا زمنًا يسيرًا جدًّا إذا قورن بما كان يقرؤه النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلوات المفروضة، مثل: الأعراف، والمؤمنون، والسجدة، والصافات، وق، والطور، والواقعة، والإنسان، والمرسلات، والتكوير، وغير ذلك مما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قرأ به في الصلوات المفروضة إضافة إلى أم الكتاب، فضلًا عن أن قراءة فاتحة الكتاب مرتلة تأخذ زمنًا أطول من هذا الذكر، فدلّ ذلك على أن القيام كان أطول بكثير من مكث النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه الأركان الأربعة، وإنما المراد من حديث البراء بيان تقارب هذه الأربعة في المقدار، بخلاف القيام الذي كان يطيل فيه قراءة القرآن، فدلت هذه القرينة على وهم زيادة هلال الوزان، والله أعلم.
الخامس: أن البخاري لما أخرج رواية بدل بن المحبر عن شعبة كأنه يريد بذلك إعلال رواية الوزان، ففي رواية بدل: كان ركوع النبي - صلى الله عليه وسلم - وسجوده، وبين السجدتين، وإذا رفع رأسه من الركوع، ما خلا القيام والقعود: قريبًا من السواء.
ففي قوله: ما خلا القيام والقعود، ما يعارض زيادة الوزان التي أتى فيها بالقيام