فيقال: أولًا: قد احتج البخاري نفسه بهذا الإسناد في صحيحه، وهو لا يحتج إلا بما ثبت سماعه عنده.
ثانيًا: هذا الحديث من رواية شعبة عن أبي إسحاق، وشعبة لم يكن يحمل عن شيوخه إلا ما سمعوه من شيوخهم، لا سيما قتادة والأعمش وأبا إسحاق السبيعي، فقد قال فيهم: "كفيتكم تدليس ثلاثة"، ثم ذكرهم [معرفة السنن والآثار (١/ ٨٦)]، قال ابن حجر: "فهذه قاعدة جيدة في أحاديث هؤلاء الثلاثة: أنها إذا جاءت من طريق شعبة دلت على السماع، ولو كانت معنعنة" [طبقات المدلسين (٥٨)، النكت على كتاب ابن الصلاح (٢/ ٦٣٠ - ٦٣١)].
ثالثًا: قد ثبت سماع أبي إسحاق لهذا الأثر من سعيد بن جبير، من رواية شعبة عنه [كما في الفضائل لابن الضريس، ونتائج الأفكار].
رابعًا: قد ثبت سماع أبي إسحاق من سعيد بن جبير بأسانيد صحيحة [انظر مثلًا: الطبقات الكبرى لابن سعد (٥/ ٢٨٨)، العلل ومعرفة الرجال (٢/ ١٠٨/ ١٧٢٢)، مسند أحمد (١/ ٣٧٣)، التاريخ الأوسط (١/ ١٣٤/ ٥٩٠)، تفسير الطبري (٥/ ١٠٢)، المستدرك (٣/ ٥٣٣)، الاستيعاب (٣/ ٩٣٤)].
• وقد روي من وجهٍ آخر موقوفًا، لكنه لا يصح:
رواه مهران، عن خارجة، عن داود، عن زياد بن عبد الله، قال: سمعت ابن عباس يقرأ في صلاة المغرب: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} سبحان ربي الأعلى.
أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (٢٤/ ٣١٠ - ط هجر)، قال: حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران به.
زياد بن عبد الله هو: ابن حدير الأسدي [روى عنه: داود بن أبي هند، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين. التاريخ الكبير (٣/ ٣٦٠)، الجرح والتعديل (٣/ ٥٣٦)، الثقات (٤/ ٢٥٦)، التعجيل (٣٤٥)، وقال: "فيه نظر"]، وداود، هو: ابن أبي هند [وهو: ثقة متقن]، وخارجة هو: ابن مصعب بن خارجة السرخسي [متروك، كان يدلس عن الكذابين، وكذبه ابن معين]، ومهران هو: ابن أبي عمر العطار الرازي [لا بأس به]، والراوي عنه: محمد بن حميد الرازي [وهو: حافظ ضعيف، كثير المناكير]؛ فهو إسناد ساقط، ولا يحفظ من حديث داود بن أبي هند.
• ورُوي من وجه آخر مرفوعًا، لكنه مرسل:
رواه يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ذُكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قرأها قال: "سبحان ربي الأعلى".
أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (٢٤/ ٣١٠ - ط هجر)، قال: حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد به.
وهذا مرسل بإسناد جيد؛ سعيد هو: ابن أبي عروبة، ويزيد هو: ابن زريع، وبشر