قلت: وأنا أميل إلى قول أبي زرعة بتصحيح الوجه الموقوف، وإن كان لا يثبت في نفسه لجهالة راويه، وذلك لأن مثل هذا لو كان ثابتًا من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - أو قوله، لاشتهر، أو لنُقِل إلينا ولو بإسناد واحد صحيح، فإن هذه سُنَّة مقترنة بتلاوة القرآن، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يتلوه آناء الليل وأطراف النهار، في الصلوات المكتوبات، وفي تنفله، في مسجده، وفي بيته، في حضره، وفي سفره، فأين الصحابة وأمهات المؤمنين عن نقل ذلك عنه، بل صحت الأسانيد فيما تقدم معنا من حديث البراء بن عازب، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فصلى العشاء الآخرة، فقرأ في إحدى الركعتين بـ (التِّيْنِ وَالْزَّيْتُونِ) [أخرجه البخاري (٧٦٧ و ٤٩٥٢)، ومسلم (٤٦٤/ ١٧٥)، وتقدم تخريجه تحت الحديث رقم (٧٨٩)]، فلم يذكر أنه أجاب في آخرها بقوله: بلى، وروت أم الفضل بنت الحارث، قالت: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في المغرب بـ (الْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا)، ثم ما صلى لنا بعدها حتى قبضه الله [أخرجه البخاري (٤٤٢٩)، ومسلم (٤٦٢/ ١٧٣)، وتقدم تخريجه برقم (٨١٠)]، فلم تذكر أنه أجاب في آخرها بقوله: آمنا بالله.
وفي المقابل: لا تخلو أسانيد المرفوع في أجوية القرآن من مقال، بل لم يصح فيه عندي شيء مرفوع؛ وإنما الذي صح فيه موقوفات على الصحابة، ولذلك فإن الترمذي لم يحكم على طريق ابن عيينة بالحسن، وإنما اكتفى بإعلاله وتضعيفه براويه المبهم، إذ كيف ينفرد هذا الأعرابي الذي لا يُعرف اسمه، عن أبي هريرة بهذا الحديث الذي تتوافر الهمم والدواعي على نقله وتحمله عن أبي هريرة، لتعلقه بتلاوة القرآن، على كثرة أصحاب أبي هريرة ووفرتهم، والله أعلم.
والحاصل: فإن حديث أبي هريرة هذا لا يصح مرفوعًا، ولا موقوفًا، والله أعلم.
• ومما روي مرفوعًا، ولا يصح أيضًا:
١ - إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"إذا قرأت: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} فبلغت: {بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} فقل: بلى، وإذا قرأت:{لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} فبلغت: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (٤٠)} فقل: بلى".
أخرجه جعفر المستغفري في فضائل القرآن (١/ ١٧٣/ ٧٠) بإسناده إلى إسحاق.
وهذا حديث منكر؛ ابن أبي فروة: متروك، واتُّهم.
• وتابعه من هو مثله: فرواه أبو بكر الهذلي [متروك الحديث، عامة ما يرويه لا يتابع عليه]، عن محمد بن المنكدر، عن جابر به مرفوعًا.
أخرجه الدارقطني في الأفراد (١/ ٣٢٢/ ١٧٤٧ - أطرافه).
قال الدارقطني:"تفرد به: أبو بكر الهذلي عن محمد بن المنكدر".
٢ - محمد بن يونس الكديمي [كذاب، يضع الحديث]، قال: حدثنا شعيب بن بيان الصفار [ضعيف. راجع الحديث المتقدم برقم (٨٦٣)]، قال: حدثنا شعبة، قال: حدثني