وقال البخاري في الكنى (٧): "أبو الأحوص: مولى بني غفار، إمام مسجد بني ليث، سمع أبا ذر حديثين، روى عنه الزهري"، وقال نحوه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (٩/ ٣٣٥)، وابن حبان في الثقات (٥/ ٥٦٤)، وذكره يعقوب بن سفيان فيمن روى عنهم الزهري من الموالي من أهل المدينة.
وقال النسائي: "لم نقف على اسمه، ولا نعرفه، ولا نعلم أن أحدًا روى عنه غير ابن شهاب"، بل قال أبو أحمد الحاكم: "ليس بالمتين عندهم"، مقلدًا في ذلك ابن معين. [انظر: كنى مسلم (٢٠٧)، المعرفة والتاريخ (١/ ٢١٦)، التهذيب (٤/ ٤٧٨)].
فيقال: الزهري كان أعلم بالحديث والرجال من سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وكان أوسع منه رواية, وأكثر شيوخًا، فلا يستغرب على الزهري أن يُغرِب على سعد بن إبراهيم بالرواية عن شيوخ من أهل المدينة لا يعرفهم سعد، ولم يلقهم، بل وفي كلام الزهري نوع ثناء على أبي الأحوص.
وابن عبد البر لم يرتض قول ابن معين في أبي الأحوص، حتى رماه بالتناقض، فقال: "قد تناقض ابن معين في هذا، فإنه سئل عن ابن أكيمة وقيل له: إنه لم يرو عنه غير ابن شهاب؟ فقال: يكفيه قول ابن شهاب: حدثني ابن أكيمة، فيلزمه مثل هذا في أبي الأحوص". [التهذيب (٤/ ٤٧٨)].
وهذا الذي ذهب إليه ابن عبد البر هو الصواب؛ من إلزام ابن معين بقوله في ابن أكيمة، وقد فصلت القول فيه عند الحديث رقم (٨٢٧)، ومما قلته هناك:
إن قول ابن معين: "كفى قول الزهري: سمعت ابن أكيمة يحدث سعيد بن المسيب"، يدل على جلالة ابن أكيمة حيث يستمع إليه ابن المسيب وتلميذه ابن شهاب الزهري، وهما أئمة أهل المدينة في زمانهما، وفي هذا توثيق ضمني له من ابن المسيب ومن الزهري حيث لم ينكرا عليه ما رواه عن أبي هريرة.
قال ابن عبد البر في الاستذكار (١/ ٤٦٤): "قال ابن شهاب: كان ابن أكيمة يحدث في مجلس سعيد بن المسيب، فيصغي إلى حديثه، وحسبك بهذا فخرًا وثناءً".
وقال في التمهيد (١١/ ٢٢): "الدليل على جلالته: أنه كان يحدث في مجلس سعيد بن المسيب، وسعيد يصغي إلى حديثه عن أبي هريرة، وسعيدٌ أجل أصحاب أبي هريرة، وذلك موجود في حديثه هذا من رواية ابن عيينة وغيره، وإلى حديثه ذهب سعيد بن المسيب في القراءة خلف الإِمام فيما يجهر فيه، وبه قال ابن شهاب، وذلك كله دليل واضح على جلالته عندهم وثقته، وبالله التوفيق".
وعلى هذا فإن الذين حكموا عليه بالجهالة؛ إنما ذهبوا إلى ذلك لقلة روايته حيث لا يصح له غير هذا الحديث الواحد، كما أنه لم يرو عنه غير الزهري، ومن المعلوم أن الراوي إذا لم يروِ منكرًا، وكان المتفرد عنه من كبار الأئمة الحفاظ: فإن هذا مما يرفع من حاله، فالزهري أحد سادات التابعين في زمانه في العلم والعمل، فرواية مثله عن تابعي غير