وفي هذا الحديث دليل على جواز الفتح على الإمام؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من نابه شيء في صلاته فليسبح"، فإذا جاز التسبيح جازت التلاوة".
قلت: وتلخيصًا مع الإيضاح لما قال ابن عبد البر في مسألة الاستخلاف: أن الإمام الراتب إذا تأخر، وتقدم غيره فصلى بالناس، ثم حضر الإمام الراتب فليس له أن يستتأخر الإمام ليقوم هو مقامه؛ من غير حدث يحدث للإمام فيقطع عليه صلاته، بدليل قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر: "ما منعك أن تثبت إذ أمرتك"، فدل ذلك على أن الإمام له الاستمرار في صلاته بالناس، وأن لا يترك مكانه لغيره، إلا من حدث يقطع عليه صلاته، وأما تقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه الواقعة فإن القرائن تدل فيها على اختصاص النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك، كما بين ذلك ابن عبد البر، وأنه قول الجمهور، وقول أبي بكر: ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يشعر بهذا الاختصاص، والله أعلم.
هذا من وجه، ومن وجه آخر: فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك -مع كونه خاصًّا به دون غيره من الأمة-، لكونه أدركهم في أول صلاتهم، وبمجرد دخول أبي بكر في الصلاة، يدل على ذلك سياق الروايات عن أبي حازم.
بينما لم يفعله - صلى الله عليه وسلم - في قصة صلاة عبد الرحمن بن عوف بالصحابة صلاة الفجر لما تأخر عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أدرك عبد الرحمن بن عوف وكان قد صلى ركعة من الصبح، فلم يشق النبي - صلى الله عليه وسلم - الصفوف، وإنما صلى حيث انتهى به الصف خلف عبد الرحمن الركعة الثانية التي أدركها معه، ثم قام ليأتي بالركعة التي فاتته.
ففي حديث المغيرة بن شعبة، قال: ووجدنا عبد الرحمن وقد ركع بهم ركعة من صلاة الفجر، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصفَّ مع المسلمين، فصلى وراء عبد الرحمن بن عوف الركعة الثانية، ثم سلم عبد الرحمن، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاته، ففزع المسلمون، فأكثروا التسبيح؛ لأنهم سبقوا النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة، فلما سلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لهم: "قد أصبتم" أو: "قد أحسنتم"، وهو حديث صحيح، وهذا لفظ أبي داود برقم (١٤٩)، ولفظ الشاهد منه عند مسلم (٢٧٤/ ٨١): فانتهينا إلى القوم، وقد قاموا في الصلاة، يصلى بهم عبد الرحمن بن عوف، وقد ركع بهم ركعة، فلما أحس بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ذهب يتأخر، فأومأ إليه، فصلى بهم، فلما سلم قام النبي - صلى الله عليه وسلم - وقمت، فركعنا الركعة التي سبقتنا، وفي رواية لمسلم (٢٧٤/ ١٠٥): قال المغيرة: فأردت تأخير عبد الرحمن، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "دعه"، وفي رواية أخرى بإسناد صحيح: ثم ركبنا فأدركنا الناس، وقد أقيمت الصلاة، فتقدمهم عبد الرحمن بن عوف، وقد صلى بهم ركعة، وهم في الثانية، فذهبت أوذنه فنهاني، فصلينا الركعة التي أدركنا وقضينا التي سُبقنا [تحت الحديث رقم (١٥٠)].
وقال البغوي في شرح السُّنَّة (٣/ ٢٧٣): "في هذا الحديث فوائد؛ منها: تعجيل الصلاة في أول الوقت؛ لأنهم لم يؤخروها بعد دخول وقتها لانتظار النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم ينكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك عليهم.